سمعت عن شاب سعودي طارت قناة السي إن إن cnn الأمريكية بقصته وطموحاته، وصورت وسائل الإعلام الغربية ذلك «الفتى الذهبي» بأنه أقصي عندما حاول الحديث عن هموم الفقراء «وعشقه» الكبير لبلاده. لم آلف الصرعات ولا أحبها، وربما زملاء المهنة يعرفون ذلك عني، وأعتقد أن من يشاهد الألعاب النارية أفضل من الذين يصنعونها، ولكن هذه المرة الوضع مختلف، فعندما يلعب المراهقون بالنار يجب أن يتدخل من يعرف لماذا أشعلت وربما كيف تستخدم. التقيت الفتى «الفلته» في مأدبة عشاء دعا إليها شخصية رفيعة احتفاء بضيف رفيع علما ومكانة، نثر المضيف أدبه الجم وترحيبه الصادق ووزع الحديث بين أعين وأفكار وألسنة الحاضرين، اختلفوا كثيرا ولكن في نهاية الحديث كان الاتفاق أكثر. التقط «الإصلاحي» الحديث ومارس نوعا من التنظير الذي لا أبخسه حقه فيه ولا يجوز لي ذلك فهذا وطنه وليقل ما يشاء، ولكن سريعا ما اتجه إلى رؤساء تحرير الصحف، وأخذ يقيم هذا ويعطي رأيه في هذا وذاك. تركت الشاب يمارس مراهقته الفكرية، ثم طلبت منه أن يقدم دليلا واحدا فقط على كلامه، لأن ما يقوله يعد قذفا واتهاما، كنت أتمنى وقتها أنه لا يعتمر شماغا لربما حك رأسه قليلا. ثم طلبت منه أن يفسر كلمة إصلاحي، ودخلنا في دائرة لم يفهم هو بذاته أبسط معانيها.. أكدت للحاضرين أنه جانب الصواب وتركته احتراما لمكانة الضيف والمضيف. أخيرا خرج علينا «المدون العظيم» الذي يصف نفسه بأنه «مواطن غير صالح»، ليؤكد أخبارا عن جهات مرجعها وكالة «يقولون»، وكأن الحديث في قهوة على طرف شارع، وأخذ يتهم ويصدر أحكاما وكأنه ذلك الصحافي أو الكاتب والمثقف الخبير بتفاصيل الأمور، وليته يتعلم من الكتاب الأمريكيين الذين يتشدق بالحديث عن لقاءاته بهم كيف يوثقون المعلومة والمسؤولية التي يتحملونها تجاه أي حرف يصدر منهم. وأود هنا أن أستشهد بالزميل طراد الأسمري الذي يحمل هما وطنيا مثل كل إنسان محب لوطن، وهو مدون معروف، ولكن ما يميزه أنه ذو خلفية صحافية يعرف ماذا يقول وكيف يتعاطى مع المعلومات ويحللها ولا يلقي بها في وجوه الناس دون مرجعية أو مصدر واضح بمسؤولية وإدراك لتركيبة مجتمعه، دون أن يحول أي موقف شخصي إلى مادة في مدونة «حلمه الأخضر». وأجزم أنه ليس من حقي أو أي إنسان كان أن يمنع أحدا من إبداء رأيه خصوصا في ما يخص وطنه، ولكن تسطيح الناس واستخدام الإنترنت مثل جدران الشوارع للكتابة في الوقت والمكان الذي يشاء، ينشر معلومات مغلوطة ويتهم دون إدراك.. أعتقد أن هذه جريمة يجب أن لا يترك مراقهو الإنترنت يتمادون فيها. وللأمانة واحتراما للقارئ الذي يكلف نفسه قراءة هذه السطور، ثم لنفسي، لم يكن دافعي للتطرق إلى هذه التصرفات دفاعا عن أحد، بل ليعرف من يعتقدون أن البعض ربما معهم شيء من الحق والصدق كيف هي خفايا الأمور. إن حب الوطن ممارسة واعية تقرأ الواقع بحكمة وتدرك جيدا تبعات أي كلمة قد تصدر خصوصا في المنابر ذات الجماهيرية، ومعنى الإصلاح ليس المتاجرة بالقضايا والبحث عن الشهرة على ظهر أي قضية.. بل حب صادق ومسؤولية حقة. [email protected]