لم تعد الإدارة أسلوبا يرتجله مخططوه، أو يخضعونه للتجارب والنظريات التي تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب، فيتسببون بمغامراتهم في تخلف مؤسساتهم، والتضحية بمصائر موظفيها ومراجعيها، فقد أضحت الإدارة الحديثة علما يتطلب دراسة أصوله، والحصول على شهادات الإتقان، فإدارة المؤسسات فن له إبداعاته، ونجاحاته، وأربابه. إن حال عدد من الإدارات الحكومية والخاصة، يشير إلى واقع مرير، ويحكي حكايات أقرب إلى القصص الهزلية، بيد أنها لا تثير الضحك، بقدر ما تبعث على الحزن والإحباط، فقد تراكمت في معظم تلك المؤسسات الزلات التنظيمية، وتواترت الاستراتيجيات الخاطئة، والقرارات غير الموفقة، لتبني صرحا من التخبط في التنظيم، والبدائية في التنفيذ، وصارت بذلك معلما لمنظومة متكاملة، تكرس الفشل المتواتر على الأصعدة الفكرية والتنظيمية. تصبح المحسوبية والمجاملات الشخصية المعرقل الأساس لأي تنظيم، فضلا عن اختيار الأشخاص «غير المناسبين»، الذين لا تتوافر فيهم الإمكانيات الفكرية والنفسية والإدارية، وليس لهم قبول نفسي لدى معظم العاملين، بالإضافة إلى وجود بعض المنتفعين، ووارثي المناصب الإدارية، الذين لم يدعوا مجالا لبارقة نجاح، أو متنفسا لإبداع، ليتوالى الفشل تلو الفشل، في غياب منظومة رقابية، تقيم الخطط وتصلح فساد العمل، أو قوانين واضحة، يمكن احترامها واعتمادها لتسيير دفة العمل بشكل سليم، فضلا عن تطويره، لتصبح تلك المؤسسات نموذجا للفشل الإداري، ومدرسة لتعليم فن إدارة المشروعات المتعثرة. وكما «قلب علينا المواجع» أحمد الشقيري في «خواطر 6»، فإحسان العمل لا يتأتى إلا بأمرين اثنين لا ثالث لهما، «القوة والأمانة»، لكني هنا لا أطالب أولئك الإداريين بالإحسان، فهذه درجة عالية، ومن غير الحكمة طلب الشيء من فاقده، بل أدعوهم لأن يطبقوا الأنظمة العادلة فحسب، من غير تحوير أو تمييز أو تأخير، ودون أن يلحقوا الضرر بغيرهم في خضم هوسهم بمصالحهم الشخصية، حتى يصلح الله الأحوال، ويقيض لتلك الإدارات «القوي الأمين». * استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم [email protected]