والعنوان أعلاه هو عجز لبيت شعر قديم يقول: تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق؟! وقد تأملت في معاني هذا البيت من الشعر فوجدت أنه ينطبق على من يتولى الوظيفة العامة، بغض النظر عن مستواها وأهميتها، والفارق يكون في عدد المنصرفين من الأصدقاء في حالة فراق المسؤول للوظيفة، فكلما كانت أكبر كان عددهم أكثر، ولكن لماذا يتولى الإنسان الوظيفة العامة وهو خلو من الأعداء ثم يجد نفسه خلالها محاطا بالأصدقاء حتى إذا ما فارقها وتلفت حوله لم يجد أحدا من الأصدقاء أو من الذين يدعون أنهم أصدقاؤه وأحبابه المخلصون المستعدون في بعض الأحوال لفدائه بالروح والدم وكيف يصبح الدم ماء عندما يفارق صاحبهم الوظيفة العامة؟! إن الإجابة على هذا السؤال العريض ذات أوجه واحتمالات متعددة، منها أن يكون شاغل الوظيفة العامة من الذين ينفعون وينتفعون من الوظيفة، فإذا فارقها ذاب من حوله أصدقاء المصلحة، فليس له أن يندهش من أنه أصبح بعدما ترك الوظيفة بلا صديق؛ لأنهم لم يصادقوه أصلا من أجل سواد عينيه الواسعتين بل لأنه تسنم تلك الوظيفة فقط لا غير، فإن فارقها سواء بالاستقالة أو الإقالة أو التقاعد أو ب«الشبشب» فهل من حقه التشكي من أصدقاء المنصب الذين تركوه وكيف يجوز له ذلك وهو يعلم مسبقا أنهم أصدقاء للمنصب وليس له وأنهم لم يلتفوا حوله إلا بعد جلوسه على الكرسي فلا بد لهم من أن ينفضوا من حوله بعد مغادرته للكرسي حتى لا يصبح له منهم صديق واحد، وقد يكون صاحب الوظيفة -التي دخلها بلا أعداء وغادرها وليس له صديق- رجلا محبا للحق والعدل، وجد نفسه بين عدد من الانتهازيين المنتفعين الذين ألفوا تجاوز الأنظمة وتعودوا على ذلك في تعاملهم مع من كان قبله في الموقع الوظيفي، لذلك تجدهم يتبرمون من إجراءاته العادلة ومن عدم إعطائهم مزايا خاصة وتعامله مع الجميع معاملة واحدة، ومثله لا يجتمع حوله أصدقاء المنصب لأنه لا يصلح لهم ولا يصلحون له فإذا ما فارق الوظيفة سلقوه بألسنة حداد أشحة على الخير، لكن مثله لا يأبه بهم وقد كان يعلم أن كلمة الحق مرة وأن الحق -كما قال أحد الصالحين- قد لا يترك لامرئ صديقا واحدا، وتجد ذلك الإنسان النظيف يغادر الوظيفة وليس له صديق ولكنه يغادرها وهو مرتاح الضمير، وقد يكون صاحب الوظيفة التي دخلها بلا أعداء وفارقها بلا أصدقاء هو الذي جنى على نفسه بسوء خلقه خلال تسنمه للوظيفة فقد كان يعامل المراجعين بشراسة وغطرسة فكثر بذلك أعداؤه حتى إذا ما غادر الوظيفة فإنه لم يبق له صديق واحد!!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة