فتاة اليوم تختلف عن فتاة الأمس، ليس فقط بالمظهر الخارجي وتغيير سلوك الحياة، وإنما اختلفت في الجوهر والمنطق، عبر ظهورها اللافت في مجالات ضلت حكرا على الرجال لعقود، فمن الاهتمامات الجديدة على فتيات مجتمعنا السعودي التألق في مجال الفروسية، حيث وصلت الفتيات إلى أبعد من ذلك عبر إحرازهن مراكز عالمية متقدمة. هذه اللعبة أو الرياضة إن صح التعبير دخلت المجتمع النسوي السعودي من أوسع أبوابه، وكانت تبدو أبعد ما يكون عن اهتمامات المرأة الخليجية، فكيف.. ومتى.. ولماذا.. لاقت هذه الرياضة رواجا؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذه التساؤلات سوى الفارسة دلما ملحس التي رفضت الحضور الإعلامي إلى ما بعد حصولها على ميدالية ترفع فيها علم المملكة، لتكون بذلك أول فتاة سعودية تشارك في أولمبياد الشباب الأول. والدتها الفارسة أروى مطبقاني رأت أن دلما حققت حلم عمرها بهدوء وثقة في النفس. «عكاظ» ألقت الضوء على صاحبة المركز الثالث في أول أولمبياد للشباب، لتروي أهم تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل التتويج. بداية الانطلاق • أين كانت البداية؟ - بدايتي كانت من مركز المطبقاني، عندما كنت في الرابعة من عمري، وساعدني كثيرا أن والدتي هي الفارسة أروى مطبقاني، التي بدورها ورثتني عشق الفروسية منذ نعومة أظافري، ولو لم يكن لدي الرغبة في النجاح وعشق الخيل، لما استطاعت والدتي جذبي لممارسة الفروسية. عشق الخيل • عشقك للخيل تسبب في بروزك كفارسة؟ - لو لم أعشق الخيل لن أعطي كما أعطيت. مواساة الطفولة • حدثينا عن ذكريات الطفولة؟ - عندما كان عمري ستة أعوام وكنت مشاركة في فقرة للبراعم في كأس إمارة منطقة مكةالمكرمة آنذاك على شرف الأمير عبد المجيد (رحمه الله) فركبت على «خيل صغير» لتقديم فقرة استعراضية وسقطت أرضا أمام الحضور، واستشطت غضبا من هول الموقف، وذهبت للسلام على الأمير عبدالمجيد الذي واساني وقتها. تدريب إيطالي • أين ومتى استعدت دلما للدورة الأولمبية الأولى للشباب؟ - استقررت في روما منذ أن كان عمري 12 عاما، وبدأت أشارك في بطولات مع مدربي الحالي وهو فارس مشهور ومدير المنتخب الإيطالي لمدة ثماني سنوات، وبعدها أنتقلت لفرنسا وشاركت في عدد من البطولات، ولم أخطط في ذلك الوقت أن أشارك في الدورة الأولمبية. بطولة مبكرة • ما هو أفضل مركز حققتيه في البطولات الأولمبية؟ - في عام 2007 شاركت في 11 بطولة، وكل بطولة مدتها ثلاثة أيام، كسبت خلالها 13 شوطا، وحققت المركز الأول وأنا في ال 15 من عمري. نجاح أوروبي • هل ساعدتك تدريباتك في المدرسة الأوروبية في تحقيق البطولات؟ - بالتأكيد، لو لم أتدرب في تلك المدرسة لما حققت تلك النتيجة. انتظار القادم • كأول سعودية مشاركة في محفل رياضي عالمي، كيف وجدت نظرتهم لك؟ - أعتقد أنهم أحبوني، كانوا سعداء بي وينتظرون ماذا سأقدم. تخطيط ناجح •حدثينا عن البداية في سنغافورة... ؟ - كانت هناك بطولة للفرق، وكانت أول جولة يوم 18 أغسطس والثانية 20 أغسطس، وفي كلتا الجولتين ركبت نفس الخيل بمثابة تدريب لي، وأستفدت من ذلك، وأول جولة مع الفرق خرجت ب 16 خطأ وأسقطنا خلالها أربع خشبات، في الجولة الثانية خرجنا دون أخطاء، فحاولت من خلال تلك المشاركة معايشة الأجواء، كوننا وصلنا قبل البطولة بيوم، وكان من الضروري التعرف على الخيل والتدرب معه وأن أرسم خططي، فجميع الفرسان متساوين، بعدها سيكون هناك عاملين فهناك خيل سهلة الركوب وهناك خيل جيد كنوع للقفز، فكان حظي في خيل سهل الركوب غير جيد في القفز، ولكن مع التدريب المتواصل والتفاهم مع الحصان بمساعدة المدرب أستطعت تحسين أدائه، وكان التطور ملموسا في كل مرحلة، وهناك أمر مهم لم يراعه الفرسان الآخرون هو أن الخيل وصلت في النهاية مرهقة جدا؛ لأنهم لم يركزوا أن الفترة 14 يوما، وفي كل يوم ساعة تدريب في جو حار، ولكن بخبرة والدتي مع المدرب قررا قبل النهائي بثلاثة أيام عدم إجهاد الخيل وإراحته ليستعيد طاقته، فالتخطيط كان أحد أسباب هذا النجاح، وأكتسبت ذلك من خلال خبرة والدتي. هدوء تام • ما الفارق بينك وبين باقي الفرسان الذين تجاوزتهم في المرحلة الأخيرة؟ - أنا أجيد ركوب الخيل، فالمسألة كما ذكرت عشق، إلى جانب هدوئي التام، على عكس الفرسان الآخرين. فريق متكامل • كيف ابتعدت عن الضغوط؟ - قررت عدم التواصل مع أي شخص وأبتعدت عن الإعلام بدافع التركيز، وكان على المدير أن يتحمل جميع الضغوط والتفكير في تجهيز الحصان وإعداد الخطط، وهذه ميزة الفريق المتجانس فالمدرب من أحسن مدربي العالم، ومدير الفريق والدتي صاحبة الخبرة، وكلاهما ساهما في حصد ذلك النجاح. فن الفروسية تصنيفك للفروسية كعلم أم كفن؟ - الفروسية فن، ولكن لا يوجد طريقة واحدة تتبع، بل تصقل عبر التدريب المستمر وتطوع حسب الواقع، وحسب الحالة وحسب اختلاف نوعيات الخيل. خبرة والدتي • والدتك نجحت كفارسة هل نجحت كمديرة فريق؟ - يعود الجزء الأكبر من هذا الفوز لوالدتي بحكم خبرتها، حيث اهتمت بأدق التفاصيل عن الخيل، وكانت متابعة لكل صغيرة وكبيرة وكانت مخططة جيدة ومنظمة للوقت، والأمور الإدارية جزء مهم من اللعبة. كيفية التعامل • هل ساعد وجودها مديرة للفريق أنها والدتك؟ - نعم، كونها تعرف كيف تتعامل معي دون الحاجة إلى دراسة مواهبي، وهذه أكبر ميزة. شعور الأم • لماذا لم تكن هي المدرب؟ - دائما ما نختلف خلال وقت التدريب، لذلك فضلت الابتعاد عن تدريبي بدافع شعور خوف الأم. توتر الأم • ووقت المباراة لا تتحدث معك؟ - أبدا، ووقت المباراة تكون بعيدة عني وقريبة من الخيل، وتتواصل معي عن طريق المدرب، فهي كأم غالبا ما تبدي قلقها، ومن المفترض أن أكون هادئة، لاسيما عندما تقترب يساورني شعور بالتوتر. إنجاز المركز • لماذا ابتعدت عن الإعلام ولم يسمع أحد بمشاركتك إلا بعد تأهلك؟ - اعتبر البعض مشاركتي وتأهلي إنجاز، وأنا لا أعتبرهما كذلك، بقدر ما كنت أهتم أن يكون الإنجاز عبر تحقيق مركز، وكان يشارك 31 فارسا، وبوجهة نظري أجد أنني لا أحتاج لتسليط الضوء على مشاركتي دون تحقيق نتيجة تستحق ذلك. «نظام كوتا» • كيف بدأت المخاطبات لتشاركين بشكل فردي في هذه الأولمبياد؟ - تم تصنيفي عن طريق اللجنة الأولمبية الدولية مع الاتحاد الدولي للفروسية عقب معرفة سيرتي الذاتية بحسب «نظام كوتا»، الذي ينص على امرأة واحدة على الأقل، وأرسلت لي الدعوة وقبلتها، وأعتبرتها شرف لي أن أشارك وتمنيت أن أقدم كل ما لدي لأرفع علم بلادي. تميز أوروبي • لماذا انتقلت لأوروبا؟ - تعتبر أوروبا من الدول المتقدمة في مجال الفروسية على مستوى العالم، ومستوى المباريات والمنافسات هناك أقوى بكثير من العالم العربي رغم تطوره، فعندما أقدم نتائج بين لاعبين بمستوى المتواجدين هناك بالتأكيد سأحقق نتائج إيجابية، وعندما وصلت سنغافورة «قلت لنفسي: لو وقعنا في خيل جيد بإذن الله كنت سأحقق الذهبية». • من تدعين على مائدة رمضان؟ - كل من دعمني وعلى رأسهم والدتي. عادة رمضانية • ما العادة التي تحرصين عليها في رمضان؟ - قراءة القرآن. • ذكرى رمضانية لا تفارقك؟ - تتويجي ببرونزية الأولمبياد في سنغافورة وأنا صائمة، حيث شاركت في البطولة في نهار رمضان. رياضة متعبة • ماذا أخذت منك الفروسية وماذا أعطتك؟ - أخذتني من صديقاتي، فأنا أتدرب وأشارك في بطولات في أوقات تكون إجازات وهن مجتمعات، فالفروسية سرقتني من ممارسة الحياة كأية فتاة في عمري، ولكن يعوضني ذلك بحب الخيل ونجاحاتي بالرغم من أنها رياضة متعبة ومكلفة. جولة التمايز • أصعب موقف واجهك في البطولة؟ - جولة التمايز، حيث حصلت خلالها على أسرع زمن، ولكن في هذه الجولة الفارس يحمل معه كل الأخطاء، وكان لدي خطأ واحد بأربع نقاط، وشاركت في هذه الجولة وكان أمامي «خمسة» للمنافسة على البرونزية؛ لأن المتنافسين على الذهبية والفضية بدون أخطاء، وانحصرت المنافسة على المركز الثالث، حيث كانت المسألة بالنسبة لي المنافسة على المركزين الثالث أو السادس على أسوأ الاحتمالات، فالجميع أخطأ ما عدا أنا، إلى جانب فارسة من جنوب أفريقيا، ولكن كنت الأسرع وأستطعت تحقيق المركز الثالث. توتر خفي • بالتأكيد كانت والدتك وجدك أكثر توتراً...؟ - كان جدي ووالدتي منهارين ولكنهما أظهرا لي العكس، وبعد كل فترة يأتيان غرفتي ليشعراني أنهم هادئان، ولكن قلت لهم أنا هادئة فلماذا كل ذلك التوتر؟!. مجال متاح • أمنياتك بعد هذا الإنجاز؟ - أتمنى أن تفتح هذه الميدالية المجال أمام الفتيات للمشاركة وممارسة الرياضة، فقد أثبتنا أنفسنا وحضورنا لم يكن حضورا عاديا أو لمجرد الحضور. رياضة مهمة • ما رأيك تجاه المعارضين للرياضة؟ - الرياضة مهمة جدا للنساء كما هي مهمة للرجال، فلماذا التفرقة بين جسم المرأة وجسم الرجل؟؛ فالرياضة تبعد عن الأمراض والمخدرات، وتجعل التفكير مشغولا في شيء مفيد. تحديد المصير • وجهتك المقبلة هل ستستمر دلما كفارسة وبطلة؟ - لا أعرف، أنا سأسافر لأكمل دراستي، ولا أعلم هل سأستمر في مجال الفروسية أم لا، إلى الآن لم أحدد؛ لأنني أريد التركيز خلال الفترة المقبلة على دراستي، لكن لا أعتقد أنني سأبتعد عن الرياضة. هدوء الترقب • صفي شعورك لحظة انتظارك النتيجة؟ - لا أعلم كنت هادئة أترقب بصمت، على عكس والدتي التي ظهر عليها التوتر والقلق. دموع السعادة • لحظة تتويجك من الأميرة هيا بنت الحسين كيف كانت مشاعرك؟ - الأميرة هيا كانت سعيدة جدا، لدرجة أن عينيها دمعتا وحضنتني وقالت: «عمري في حياتي لم أتوقع ذلك». • آخر كلمة نطقتها أروى مطبقاني «والدتك» قبل جولة الحسم؟ - قالت لي: «دلما افعلي ما تشعرين أنه صحيح... الآن خبرة السنوات الماضية أمامك».