كانت رسالة عتاب ولكن صاحبها استسلم لطوفان التفاصيل رغما عنه، ففي الأصل كان صاحب الرسالة يريد معاتبتي لأنني لم أتطرق إلى موضوع نزع الملكيات حين تحدثت في مقال سابق عن مخطط الهجرة شمال جدة، ولكنه وجد نفسه مضطرا لأن يتوقف عن العتاب ويبدأ فورا بسرد الحكاية منذ بدايات البادية، كانت حكايته مليئة بالمشاهد المؤثرة، أما عن طريقته في سردها فقد جاءت معكوسة زمنيا.. فلاش باك من الأحدث إلى الأقدم: (مع بزوغ شمس المدينة الاقتصادية في صعبر والمدينة الجامعية في ثول تبعها سكة القطار وأخيرا المدينة الرياضية تغير الحال في الوادي وصار أصحاب المزارع من أرامل وأيتام وعجزة ورجال على الفطرة في نظر الأمانة مجرد مواطنين متعدين بدائيين ما زالوا يعتمدون في ري مزارعهم على موسم الأمطار ومياه الآبار بشكل لا يتناسب مع حضارة القرن الواحد والعشرين، وحرصا على اللحاق بركب التطور العالمي أصبح لا بد من انتزاع هؤلاء الناس من أملاكهم ومزارعهم وتوزيعها من جديد على شكل منح! والعذر أنه لا يوجد عليها صكوك علما بأنه توجد عند الأهالي حجج منذ أكثر من 100 عام وبعضها حوالي 200 عام، إذا كانت الأمانة تعاني ندرة في الأراضي التي تريد توزيعها كمنح، فلماذا يكون الحل على حسابنا؟!، رحنا المحكمة نشوف وضع الصكوك قالوا: الصكوك موقوفة، قلنا لهم: الحقونا الأمانة ناوية على أملاكنا في الوادي، قالوا: القانون عليك وعلى غيرك، بعدين طلبت البلدية كروكيات للمزارع وشكلت لجنة لهذا الموضوع وإلى يومك والحال واقف). بعد ذلك يقول صاحب الرسالة أنه تمت مضايقة أصحاب المزارع ومنع العمال من العمل فيها حتى تبت البلدية أو اللجنة في أمر الكروكيات، وأثناء سرده للتفاصيل تواصل المشاهد دورتها باتجاه الخلف، فيعود صاحب الرسالة عدة سنوات إلى الوراء: (أنا وغيري الكثيرين من أبناء هذه المنطقة عندما سمعنا بنبأ المدن الثلاث الصناعية والأكاديمية والرياضية والتي ستحيط بنا من كل الجهات حلمنا بالطرق المعبدة، وقلنا سوف تأتينا الكهرباء أخيرا إلى مزارعنا ونشيل هم الديزل اللي قصم ظهورنا مع صيانة المكاين الهندي.. كانت أحلامنا كثيرة وأحلام أبنائنا أكثر.. ولكن طارت الأحلام وطارت معها المزارع). تتواصل المحاولات اليائسة لمطاردة الحق في ردهات المكاتب الباردة، ويواصل صاحب الرسالة وصف السكك الطويلة التي تنتهي عند أبواب مغلقة حتى إذا وصل إلى الفقرة الأخيرة من رسالته وجد أن الوقت قد حان لسرد تفاصيل المشهد الأول: (هذه مزرعتي.. زرعها والدي قبل 120 سنة.. ويوم عيد نهار تشرب سيل ولا مطر.. وأنا منذ صغري وأنا أصفق بالمساحي وأحفر وأدفن فيها وأعزب فيها وإخواني في العزبة مع والدي منذ 50 سنة حتى حصلنا على الشهادات العليا ولم ننس حب الأرض.. واليوم تشرب أولادي حبها منذ صغرهم.. فكيف نقتلع منها هكذا؟). [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة