مع بداية شهر رمضان المبارك في كل عام تزداد أعداد المتسولين، وتمتلئ بهم المساجد والأسواق وتقاطعات الشوارع. كلهم يحاول استغلال هذه المناسبة الدينية، ورغبة المسلمين في الصدقة طمعا في الأجر والمثوبة من الرب الكريم. الراغبون في الصدقة من المصلين وغيرهم تتنازعهم الشكوك والحيرة في كثير ممن يمدون أيديهم للسؤال ويتساءلون هل هؤلاء فعلا مستحقون؟ وهل ما يقولونه عن الديون المتراكمة عليهم والأمراض التي أصابتهم صحيح؟ أم أن ما يرونه ويسمعونه هو وسيلة لمخاطبة العواطف وإقناع الشخص ليتصدق دون تردد. نسبة كبيرة من المتسولين في المساجد بعد الصلاة يقولون إنهم عاجزون عن سداد ديون الديات التي لحقت هم أو بأقاربهم والتي تعد بالملايين، والبعض الآخر يقول إنه يحتاج لمبلغ معين لإجراء عملية جراحية، أو دفع مصاريف علاج، أو سداد إيجار. نراهم يشهرون الصكوك، وفواتير العلاج ولكن تأبى نفوس المصلين في النظر إلى هذه الأوراق للتأكد من صحتها، ويفترضون حسن النية، وبالتالي يدفعون ما تجود به أنفسهم. لقد سمعنا وقرأنا الكثير من القصص الغريبة عن بعض هؤلاء المتسولين والذين ثبت أنهم غير صادقين، ولا يعانون من أية عاهات أو أمراض، ولا توجد عليهم ديون، بل هم أغنياء. والطريف أن منهم من رمى عكازه وولى هاربا عندما شعر بأن هناك من يريد التأكد من هويته وصحة معاناته. جانب آخر من الحيرة والتردد في مصداقية طالب الصدقة نجده عندما نرى النساء المتسولات وهن يفترشن الأرض داخل فناء المسجد أو عند الباب، بعضهن يحملن الأطفال، والأخريات يطأطئن الرؤوس كشاهد على ضعف الحال وقلة المال، بعضهن يحاولن التخفي ولا نسمع سوى همهمات متى ما مددت يدك بما تجود به نفسك، ما أدرانا هل هن نساء أم رجال، وهل هن بالفعل محتاجات أم لا. لقد شاهدت قبل عدة أيام صورة في إحدى الصحف لعدد من المتسولين المحتالين من الرجال الذين قبض عليهم وهم يرتدون العباءات والقفازات رغبة في استدرار عطف المتصدقين، وهذا مما يزيد الشكوك والحيرة لدينا عندما نريد بالفعل أن نتصدق عليهن. نعلم علم اليقين أن هناك جمعيات ومؤسسات خيرية منتشرة في كل مكان وموثوقة لدى الجهات المختصة، وأنه يمكننا أن ندفع بصدقاتنا إليهم، ونحن متأكدون أنها ستصل للمستحق، ولكن مع ذلك تجتاحنا الرغبة، ويكتنفنا الشعور ونحن داخل المساجد، وفي جو روحاني قريبين فيه من الله عز وجل أن نتصدق ولو بالقليل، حيث نجد في مثل هذا المسلك شعور بالارتياح والبهجة حين نرى رأي العين ملامح السعادة وهي ترتسم على وجه من ندفع إليه بجزء من مالنا كي نساعده على تفريج كربه، أو شفاء مرضه. إنها دعوة صادقة لإخواني المصلين وغيرهم بتحري الدقة قدر الإمكان والتأكد من أن أموالنا التي نتصدق بها تصل بالفعل لمستحقيها رجلا كان أم امرأة، وهي دعوة أيضا للجهة المختصة في أن تزيد من رقابتها ومتابعتها لهؤلاء المتسولين للقبض على كل محتال منهم. [email protected]