«شاهدت القصيبي يذرف الدمع لدى زيارته لمستشفى الصحة النفسية في الطائف، ولم يرتح له بال، إلا بعد أن حصل على موافقة الملك فهد بن عبدالعزيز بتوسعة المستشفى وإنشاء أقسام للصحة النفسية في مناطق المملكة».. بهذه العبارة المبللة بدموع الإنسان غازي القصيبي استعاد أمين جدة الأسبق الدكتور نزيه نصيف، مشهدا من آلاف المشاهد التي رسمها القصيبي بحس المسؤول الصادق والفنان المرهف الذي لا ينفصل عمله عن إنسانيته في جميع مواقفه العملية والحياتية . وأبلغ «عكاظ» نزيه نصيف عن بعض التفاصيل الدقيقة في حياة الراحل، قائلا: «عملت مع غازي القصيبي فقيد الوطن وفقيد الأمة خمسة أعوام في وزارة الصناعة» وعامين آخرين في وزارة الصحة كوكيل له, وهذه المدة جعلتني أتعرف عليه عن قرب حتى أننا تواصلنا مع بعضنا كأصدقاء واستمرت هذه الصداقة حتى بعد مغادرتي للوزارة, وقد وجدته وطنيا من الدرجة الأولى وأمينا بدليل انه لم يوجهني طوال فترة عملي معه بترسية مشروع على شركة أو مؤسسة رغم أن وزارة الصحة في ذلك الحين صرفت 22 مليار ريال في عامين. وزاد أمين جدة الأسبق ،الذي بدا متأثرا برحيل صديقه القصيبي «كان القفيد يرحمه الله حريصا على صلواته حيثما كان، فقد كان أول الداخلين إلى مسجد الوزارة لأداء صلاة الجماعة، وكان عاشقا للقراءة ، إلى درجة أنه يقرأ كتابا في كل يوم تقريبا، وكان إداريا محنكا يتخذ أصعب القرارات بشجاعة وإيمان، وكان رقيقا في أحاسيسه ومشاعره ولا يتوانى أن يساعد مواطنا أو يلبي حاجة إنسان». واختتم نزيه حديثه بالترحم على القصيبي «الذي أحب وطنه فأحبه الوطن». علاقة التاريخ والصدق والولاء د . سعود المصيبيح ومات الشاعر والأديب والدبلوماسي والإداري والمفكر والروائي د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله وكان يوم الأحد الخامس من شهر رمضان 1431ه يوما حزينا بوفاة هذا الرجل فهو يمثل المواطن المخلص الأمين ابن العائلة التي ارتبطت بالأسرة المالكة الكريمة بعلاقة التاريخ والصدق والولاء والحب للملك عبدالعزيز ومنهجه رحمه الله ثم أبنائه من بعده فكان د. غازي نعم الرجل النزيه الأمين المنتج العملي. عاد من الدراسة في الخارج وأصبح عميدا لكلية التجارة ومبتكرا أسلوبا إداريا في العمل الأكاديمي والعلاقة مع الطلبة ومرورا بالسكة الحديد ثم وزيرا أحدث ثورة في العمل الإداري حيث كان واقع الصناعة شاهدا على ريادته في الجبيل وينبع وشركة سابك وغيرها ثم الكهرباء والماء والعمل وكان بينهما مؤسسا لأعمال إنسانية كجمعية المعوقين وروائيا وشاعرا وكاتبا ومفكرا ومثقفا ومبدعا وقائدا ميدانيا أثناء أزمات الوطن فكانت «عين العاصفة»، و «أجل نحن الحجاز ونحن نجد» ثم عشرات المؤلفات الممتعة والمفيدة ومن أهمها «حياة في الإدارة» الذي يراه كل مواطن مخلص مدرسة في النزاهة والولاء والإخلاص والعطاء. مات كبيرا كما بدأ أسعد عبد الكريم* إلى عائلة الراحل الكريم غازي القصيبي وكل من عايشه، وكل من أحبه عملا وأدبا وشخصية فريدة متميزة أعزيكم في إنسان كان ولا زال عزيزا عليكم، وحبيبا.. ملأ حياتكم حبا وحنانا وقدوة ألهمتكم، وكانت مدرسة نهلتم من نهجها تجربة عظيمة أعطت بسخاء الأهل والغرباء. بعض الناس لا نستطيع تعويضهم ومستحيل أن ننساهم، وهذا قدر من يقرب من أشخاص مميزين يصيغون المكان ويختصرون الزمان، ويجمعون فعاليات الحياة بكلمة إنسان. غازي غزا القلوب فأتعبها حبه، وغزاه المرض، فأتعب جسمه وقلبه، فاستل قلمه فجاهد به إلى آخر لحظات حياته. مات كبيرا كما بدأ. لكن ما ادخره لنا سيبقى عنوانا لحياة أخرى زادها فكره وفرسها يراعه وفارسها إبداعه. مات الرائد عاش الرائد لا فرق بين الكلمتين بالنسبة للعظماء. وداعا يا غازي.. أهلا يا غازي، فأنت ذهبت جسدا، لكن أقبلت فكرا وأدبا وتاريخا لن ينسى. رحمك الله وغفر لنا جميعا. * مدير الأمن العام الأسبق صحف لبنانية: فقدنا مدافعاً عن القيم فادي الغوش بيروت أفردت الصحف اللبنانية أمس، مساحة واسعة للكتابة عن رحيل الشاعر والدبلوماسي والوزير غازي القصيبي، مبرزة إبداعه الشعري والروائي ومعددة صفاته الإنسانية وحياته الأدبية والسياسية. الشاعر بول شاوول كتب في الصفحة الأولى لصحيفة المستقبل: «القصيبي رحل في عز عطائه. رحيل الشاعر والكاتب والوزير السعودي غازي القصيبي خسارة كبيرة للأدب السعودي والعربي، باعتباره أحد الموفقين بين الحساسيتين الحديثة والموروثة في الشعر العربي المعاصر. وقد دافع عن المعطيات التجديدية ضمن الحدود التي يؤمن بها سواء في الرواية أو القصيدة أو القصة...». وكتب ياسين رفاعية في الصفحة الثقافية للصحيفة نفسها تحت عنوان: «غازي القصيبي رحل وخلف فراغا في الشعر السعودي»: «كان القصيبي، حالة خاصة في الأدب السعودي، حالة تتنوع بين الهموم العامة، والهموم الشعرية والنقدية والفكرية في سيرة غنية بالتجارب، وثرية بالمواقف الاستثنائية. فالقصيبي انحاز إلى التحديث الأدبي من ضمن التراث، وقارب التراث من باب التحديث على تخوم واضحة ومحددة وإن ملتبسة في بعض نصوصها، بحيث تعانق هنا «المغامرة» الحداثية المحسوبة أحيانا وتعانق الفضاء الكلاسيكي أحيانا، سواء بالعمودي أو باعتماد التفعيلة. كأنما التزامه الواقع السعودي لم يعن تخليه عن «الهوامش» الضرورية لكل فنان أو شاعر أيا كان حجم هذه الهوامش وظروفه. وعلى امتداد المناصب الوزارية والثقافية التي شغلها وهي عديدة، كان الشاعر هو الغالب سواء في إبقائه على الحيز الشعري في نتاجه القصصي أو النقدي أو في رؤيته المتقدمة لبعض أصول الاقتراب من السلطة فلا يكون صاحبها أحاديا، وإنما على انفتاح على كل جديد. فقد الشعر السعودي كبيرا من شعرائه، والعرب واحدا من أهل التحديث والتجديد ومدافعا عن القيم الثقافية العالية ». ونشر رفاعية مقاطع مختارة من أقصوصته «الزهايمر» الذي قال في نهايتها إن الحياة هي الأجمل من الموت، خصوصا الموت البطيء الذي يأكل ذكريات المبتلى بالزهايمر كأنه يموت ولا يموت. وكتبت صحيفة الأخبار تحت عنوان: غازي القصيبي ترك ساحة المعركة مخلفا وراءه إنتاجا أدبيا غزيرا وأحد الوجوه الرائدة في الثقافة السعودية: «لم يكن أفضل الروائيين ولا أعظم الشعراء الذين أنجبتهم السعودية، لكنه كان أكثرهم إثارة للجدل. وقد سمح له عمله العام، وإنجازاته الوزارية في نهاية السبعينيات، باكتساب شعبية إضافية جعلت حصر شهرته في الإطار الأدبي أمرا صعبا. إنه المثقف الإشكالي بين الأدب والإدارة». فيما صحيفة النهار وفي خبر رحيل القصيبي عنونت: «رحيل غازي القصيبي الوزير والأديب والداعي إلى التحديث». في المقابل تحدثت صحيفة السفير عن سخرية القصيبي عبر رواياته من الواقع العربي، ومسعاه الدائم إلى التغيير وعنونت: «وزير مشاغب شغل الرقابة». الوزير النادل: يجب أن نتعاون لتغيير ثقافة العيب خالد الحارثي* أظهرت صورة ارتداء وزير العمل الراحل الدكتور غازي القصيبي لقبعة الطهاة وزي النادل وتقديمه الطعام لمرتادي المطاعم النظر عن جانب آخر في شخصيته، حيث كسر الوزير رتابة العمل الحكومي والنمطي. عندما عرضت فكرة يوم الضيافة السعودي على الوزير القصيبي أن يخدم صاحب المطعم الزبائن مرتديا الزي الخاص بالمطعم، أبدى الوزير إعجابه بالفكرة كثيرا، وعندما استأذنته هل بإمكانه أن يرتدي الزي الخاص بالمطعم؟ أجابني قائلا «إني أفتخر أن أرتدي أي زي فيه عمل شريف». كنت مترددا ومحرجا هل بإمكانه خدمة الشباب السعودي بنفسه؟ فجاوبني: «أعتز بالشباب وسأقدم بنفسي الطعام والحلا إذا أرادوا». ثم همس لي «راحتي وسعادتي أن أرى الشباب ينخرطون في أعمال مهنية، وأن يمارسوا هذه الأعمال بفخر واعتزاز». وأذكر عندما حضر الوزير القصيبي إلى المطعم الخاص بمناسبة يوم الضيافة السعودي، بدأ يبحث عن الشباب السعودي الذي يعمل في المطعم، ويسأل «وين الشباب ودي أجلس معهم وأشوفهم»، فأجبته «بانتظارك في الداخل». وعند دخوله المطعم فاجأ الحاضرين بإزالة الشماغ الذي يرتديه وطلب القبوع (الكاب) الخاص بمقدم الطعام فبادر الحاضرين معه الدكتور علي الغفيص والدكتور علي الجهني وعبدالرحمن السدحان وصالح التركي بظهوره مرتديا الكاب، فرد الجميع على المبادرة بالتصفيق الحار.. وعندما جلس مقابل الشباب تحدث مستشهدا بمواقف للوزراء بأنهم بدأوا حياتهم بالعمل في المطاعم، وأن العمل الشريف لا عيب فيه. تفاعل مع كلمته الحضور، خصوصا الشباب الذين يعملون في المطاعم، وأتذكر عندما استلم الشباب شهادات التقدير والدروع كان يداعبهم ويثني عليهم، وعندما حضر شاب مرتديا قبعة الطاهي (الشيف) فاجأه بجذبه إليه، وأخذ القبعة منه وارتداها وقبلها. وجرت المناسبة بحضور عدد من الشباب السعودي الذي يعمل في المطاعم وأسرهم، وكان القصيبي في قمة السعادة، ويسأل: «كيف كان انعكاس يوم الضيافة الأول على الشباب». فأجبته «في اليوم التالي حضر إلينا سبعة من الشباب إلى الغرفة التجارية في جدة يبحثون عن وظائف في المطاعم». فغمر وجهه بالسعادة، وقال: «يجب أن نتعاون معا لتغيير ثقافة العيب». * رئيس لجنة الضيافة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة