تنقلب الساعة البيولوجية رأسا على عقب مع غرة رمضان، وفي هذا الشهر يرتاح الجهاز الهضمي بعد عناء عام كامل من الدسم والدهون والكبسات والمفطحات، كما ترتاح آلية الدماغ من النرفزة والمواقف التي تشد الأعصاب وتسبب التوتر. ورغم الفوائد العديدة للصيام، ومايتركه من آثار روحية على النفس البشرية إلا أن الانعكاسات الصحية للصيام عديدة ولا يمكن حصرها، وأهمها أن الصيام يعالج كثيرا من الأمراض الخطيرة منها الأمراض الناتجة عن السمنة كمرض تصلب الشرايين وضغط الدم وبعض أمراض القلب، ويعالج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية مثل مرض الرينود ومرض برجر، ويعالج كثيرا من الأمراض التي تنشأ من تراكم السموم والفضلات الضارة في الجسم، ويعالج الصيام المتواصل مرض التهاب المفاصل المزمن الروماتويد، ويعدل ارتفاع حموضية المعدة وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب، ولا يسبب الصيام أي خطر على المرضعات أو الحوامل ولا يغير من التركيب الكيميائي أو التبدلات الاستقلالية في الجسم عند المرضعات وخلال الأشهر الأولى والمتوسطة من الحمل، وغير ذلك من الفوائد النفسية والروحانية. ومن هنا يتضح لنا أهمية وفوائد الصيام، إلا أن البعض وللأسف الشديد لايستفيد من مدرسة الصيام، فما أن يرفع آذان المغرب إلا وينهمك في كل مالذ وطاب من الأكل مسببا لمعدته التلبك المعوي، والبعض الآخر يشعل سيجارته بعد تناول التمرة وكأنه ينتظر هذه اللحظة حتى يتزود بجرعة النيكوتين. وأخيرا فإن الصيام تهذيب للنفس وصقل لها، وتدريب إيجابي ومتوازن ومقنع للفرد والمؤمن، وتقوية الإرادة والعزيمة، والتحكم في السلوك، والشعور بالمسؤولية ومعرفة قيمة الآخرين، وممارسة الصبر كخصلة حميدة ومثمرة، والاطمئنان والراحة النفسية الكاملة، والقدرة على مواجهة الحالات النفسية. ومن هنا فإنه ليس مهما أن رمضان سيأتي؛ لأن الأهم هو أن نأتي نحن في رمضان، وأن نجد ما أضعناه في أحد عشر شهرا مضت. * مدير إدارة حماية البيئة الأسبق في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.