لا تقل إني معاق .. مد لي كف الأخوة / ستراني في السباق .. أعبر الشوط بقوة. أبيات كتبها الشاعر غازي القصيبي، أراد المثقف والدبلوماسي الكفيف عبدالرزاق التركي البدء بها لتكون انطلاقة حقيقية لكل من حرمه الله نعمة البصر أو فقد إحدى حواسه، ليأتي بعدها ببيت القصيبي الآخر: ما العمى أن تفقد العين الضياء .. العمى أن تفقد النفس الأمل. وبنفس وتيرة الأمل التي تحدث عنها الشاعر، انغمس التركي في العمل التطوعي لرعاية المعوقين والاهتمام بهم على مدى سنوات، وحصد نظير ذلك جوائز كبرى في خدمة المجتمع، ومنحته الأممالمتحدة كأسها تقديرا لخدمته المعوقين، وحصل على لقب رجل العام (2000 2001م)، ونال جائزة جمعية الأشخاص المتميزين في القرن العشرين في لندن، وشهادة من مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع. لكن التركي يؤكد في كل مرة أنه لم يعمل من أجل الحصول على الشهادات، «أنا دائما أسأل الله أن يجعل عملي كله خالصا لوجهه الكريم، وسعادتي هي أن أرسم البسمة على وجوه الجميع». ولد عبدالرزاق التركي في مدينة الدمام، ودرس الابتدائية وحتى الثانوية في معهد النور للمكفوفين في القطيف، ثم درس اللغة الإنجليزية والمرحلة الجامعية في بريطانيا وحصل على الماجسيتر من أمريكا. عمل محللا سياسيا في السفارة السعودية في واشنطن، وكان أول كفيف يعمل في السفارة، ويستعيد شيئا من ذكرى هذه التجربة قائلا: «لا زلت أتذكر مكتبي وزملائي، وتحديدا رئيسي في ذلك الوقت صالح الراجحي، ومع أنه يدخل مكتبه بهدوء، لكنني أعرف متى يكون متواجدا فيه؛ لأنه كان مولعا بالتدخين، وأعلم من رائحة السيجارة أنه وصل مكتبه». يؤكد التركي أن إعاقة البصر لم تمنعه من تحقيق أحلامه بالإرادة والقوة والتحدي. لكنه يرمي ببعض اللوم على المجتمع في نظرته الدونية للمعوقين، يقول: «يعتقدون أن الإعاقة مرض أو عاهة، فلا يقدرون ذكاء المعوق وعلمه وثقافته وما يحمله من حب لمجتمعه». ويطال عتابه هذا وسائل الإعلام؛ «لعدم تسليطها الضوء على المعوقين الناجحين، وتوعية المجتمع أن المعوق صاحب فكر ورأي وقدرات كأي شخص عادي». ويتحدث التركي عن بعض المعوقات التي تواجه الكفيف في المجتمع، كعدم تمكنه من المشي في الشوارع، «تنخفض وتعلو الشوراع في الطريق الواحد، وفيها حفر وأحواض زراعة ولا يوجد مكان مخصص، فالمعوق يحتاج دائما إلى مرافق». ويتطرق كذلك إلى وجود مصاعب أخرى أمام المعوقين خصوصا في الدراسة الجامعية، يقول «الأنظمة لا تسمح للمعوق بصريا إكمال دراسته إلا في مجالات محدودة مثل: الشريعة، علوم اللغة، الاجتماعيات». ولا يقلل التركي من هذه التخصصات وما تحتويه من ثقافة علمية كبيرة، إلا أنه يشير إلى محدودية التخصص فيها للكفيف لا تجعله أن يتخصص في غيرها. ويختتم حديثه بالتأكيد على أن المعوق إنسان خلاق وفعال لمجتمعه، «إذا أعطي الفرصة والوقت والتدريب»، ويشير إلى أن المعوقين في أمريكا وأوروبا يشغلون 5 في المائة من الوظائف. ويعود إلى الدكتور غازي القصيبي هذه المرة، ولكن بصفته وزيرا وليس شاعرا، يقول: «الوزير كان دائما يؤكد أن المعوق عن أربعة موظفين».