مجلس الشورى جهاز حكومي مهم يضم صفوة من الخبراء والأكاديميين الذين يحملون شهادات عليا في تخصصات مختلفة، بالإضافة إلى أنهم أمضوا سنوات عديدة في العمل بالمجالين الحكومي و الخاص ما أكسبهم خبرة كبيرة. مجلس الشورى لا يمكن اعتباره بالمقاييس السعودية برلماناً أو مجلساً تشريعياً، ولم تجعل له الدولة طابعاً تمثيلياً قائماً على المناطقية أو المذهبية أو القبلية، بل أسس ليكون تجربة ديموقراطية سياسية سعودية مختلفة، يقوم على مبدأ الشورى الإسلامي، ويقدم الرؤية الصالحة للمجتمع على اعتبار أنه يضم مؤهلين وخبراء من كل أنحاء المملكة. حاولت الدولة أن تفعل عمل المجلس فرفعت سقف الحرية في النقاشات رغبة منها في أن يتفاعل مع محيطه ويسهم في التنمية الجديدة التي تعيشها البلاد، فتحرك المجلس بهذا الاتجاه، لكن هذا التحرك لم يستطع تجاوز سقف أدنى الطموحات، وظل قاصراً عن بلوغ أصغر الأمنيات؛ لأن فهم طبيعة وآلية عمل المجلس وشكله القانوني الفريد ظل محصورا في عقول نفر قليل من الناس، ربما لأنه كما ذكرت يمثل تجربة مختلفة فريدة اتخذت من التراث الإسلامي شكلها، ومن الواقع السياسي والاجتماعي روحها، ومن الطموح التنموي المتجدد رؤيته، فغالبية أعضاء المجلس ينظرون إلى المهمة الموكلة إليهم باعتبارها تشريفا يغلب التكليف، ويتجاوزون ذلك بأن يعتبروا المهمات التي يقوم بها «الشورى» تكميلية، لا يؤثر غيابها كثيرا، والعكس صحيح أيضاً. أما على الصعيد الشعبي فقد أدى عدم فهم التجربة الشورية السعودية لكثير من الناس إلى عدم اكتراث بما يدور تحت «القبة الذهبية»؛ لأن الناس لا يرون في نقاشات المجلس ما يتماس مع حياتهم، فالأعضاء الموقرون يوغلون في الحديث عن أخطاء لغوية، أو إبداء اعتراضات على مصطلحات وردت في صياغة بنود اتفاقيات دولية، أو أرقام مصروفات تقارير حكومية لسنة أو سنتين ماضيتين. لا يسمع المواطن نقاشاً يهمه، عن أسرة المستشفيات الحكومية والخدمات الطبية، لا يسمع عن حلول جذرية لمشكلات خدمية تواجهه، أو مشكلات مالية يعاني منها، لا يتحدث المجلس بلغة المواطن بل بلغة مقعرة ومعقدة. أعلم أن المجلس تطرق لقضايا مهمة، وساهم في إقرار بعض المشاريع، ولكن تبقى الطموحات أكبر في مجلس له مكانته واحترامه، وأرى أن عليه التحرك إعلامياً لتعريف ثقافة الشورى، شرط أن يبدأ بأعضائه الذين ظهر منهم من أثبت أنه لا يعرف الكثير عن المجلس وطبيعته القانونية. الشورى هو مجلس نخبة النخبة، الذي يناسبنا في الوقت الراهن كموقع «تشريع استشاري»، فنوعية الأعضاء المختارين من قبل خادم الحرمين تؤكد لنا رغبة الدولة في توسيع دائرة التفكير والتدارس والرقابة فيما يخص القرارات وتنفيذها. لا أعتقد أن أي بديل آخر للشورى بشكله الحالي سينجح في مناقشة وتدارس مشكلات المجتمع، ولا في طرح الحلول والرؤى، ما نحتاجه هو إعادة ترتيب أولويات المجلس، وأن يعي كل عضو فيه أن أمامه مساحة واسعة للعمل، وأن بإمكانه توسيع خطواته للحاق بطموح الملك والوطن والمواطن. [email protected]