وصف عضو مجلس الشورى اللواء الركن متقاعد محمد بن فيصل أبو ساق، قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إشراك المرأة في عضوية مجلس الشورى ب "الخطوة التاريخية"، وشبه العلاقة بين المجلس والمجتمع بالعلاقة بين البائع والزبون، مشيرا إلى أن الزبون دائماً على حق. وقال في حديث خاص إلى "الوطن": إن بالمجلس أحيانا أعضاء صامتين، وقد يكون الصمت من "ذهب" خاصة أن لهم دور فاعل في اللجان وأثناء المناقشات، مؤكدا أن المجلس لو تمكن بصلاحياته الحالية من القيام بكل واجباته فهذا شيء يحسب له. ولفت إلى أن المجلس في دورته الرابعة، كان قريبا من أن يصبح برلمانا كامل الأهلية، وخاصة في طبيعة مداولاته تحت القبة، مبينا أن هناك فرقاً بين كل دورة وأخرى "فلا يمكن أن تصبح كل دورة نسخة مكررة من سابقتها". وأوضح اللواء أبو ساق الذي أمضى 7 سنوات في المجلس وعاصر أكثر من دورة شورية، أن هناك فرقاً كبيراً في طبيعة وبيئة العمل بين تجربته العسكرية وتجربته بالشورى، مستبعدا وجود قيود أو تعليمات في عمل الأعضاء بالمجلس. .. وإلى نص الحوار: الأداء والشفافية خلال عملكم عضواً في مجلس الشورى عاصرتم أكثر من دورة شورية، هل هناك اختلاف من حيث الأداء والشفافية في الطرح تحت قبة الشورى؟ تشرفت بعضوية الدورة الرابعة، وكذلك هذه الدورة الخامسة التي تبقى منها سنة واحدة، ومن تجربتي خلال الدورتين، لا توجد قيود ولا تعليمات و"لا توجد في المجلس خطوط ملونة على ما يقوله العضو أو ما لا يقوله". فالأمر متروك لحكمة عضو الشورى ومقدرته على وزن الأمور، وعلى خلفيته أو قناعته بالتحدث أو عدم التحدث. وبالنسبة للفرق بين دورات المجلس، فمن المتوقع أن يكون بين كل دورة وأخرى اختلاف؛ فلا يمكن أن تصبح كل دورة نسخة مكررة من سابقتها. والاختلاف هنا نتيجة لتغير الزمن وتغير الأعضاء وتغير قواعد العمل وتغير الرؤى، وتغير فلسفات الفاعلين في المجلس، وغيرها. وتعد الدورة الحالية بناءً وتراكماً إيجابياً على ما سبق من تجارب موفقة للمجلس. ففي المجلس اليوم نخبة من الفضلاء في رئاسة المجلس وأعضائه وأمانته العامة وإداراته الرئيسية. والحكم على الدورة الحالية غير منصف لعدم إكمال مدتها، ولعل سنة من الآن تكمل أربع سنوات للدورة فيكون الحكم أدق، لكني أشعر باطمئنان وسعادة غامرة كون المجلس في أيد أمينة رئيسا وأعضاء. "سيد قراره" ما رأيك في مقولة" المجلس سيد قراره"؟ بتحليل مبدئي، هي مقولة صحيحة، فالقرار في النهاية هو لأغلبية الأصوات التي تقرر مصير التوصيات أو المشاريع وغيرها مما يصوت عليه، ولكن هنالك معطيات كثيرة تؤثر في القرار أو ترشده، وهذا أهم شيء يفترض أن يتم قبل عرض الموضوعات وسيادة القرار. غير أنه حينما يقدم العضو مشروعاً لنظام جديد أو لتعديل نظام قائم ثم يمر على المشروع عدة سنوات بعد ملاءمته للدراسة، وتشكل له لجنة أو يحال إلى لجنة أخرى، ولا يتم حسمه بسيادة القرار، فهنا يكون الروتين أو البيروقراطية أو الأهواء أو أي شيء آخر سيد القرار. ما رأيكم في مجمل ما يدور من نقاش في الأوساط الاجتماعية عبر وسائل الإعلام ووسائل الإنترنت حول أداء الشورى؟ لا بد من سقف أو معيار يقيس أداء أي مؤسسة كانت، وقد وجد المجلس لخدمة المجتمع وخدمة الوطن، ورضا المجتمع أو عدم رضاه يعتبر من المؤشرات التي يصعب تجاهلها. ولا أعتقد أن السبب يكمن في التقصير الإعلامي أو التقصير في التواصل مع المجتمع، فالمجلس كتاب مفتوح بقنواته وتغطياته وبياناته المستمرة. والمجتمع اليوم فيه المثقفون والعلماء وأهل التجربة والخبرة والرأي، ومصادر المعلومات متيسرة ومتاحة للجميع. وأشبه العلاقة بين المجلس والمجتمع بالعلاقة بين البائع والزبون، بافتراض أن الزبون على حق. فإن كانت المحصلة العامة للرأي العام إيجابية فلنتمسك بها ونعززها، وهذا شيء يسر الجميع. وإن كانت غير ذلك، فالمجلس مطالب بأن يبحث عن الأسباب، ليكون عند مستوى الرضا؛ وليس عليك إلا أن تستنتج من الرأي العام الذي يصعب علينا تجاهله. تعديل الأنظمة قدمتم عدداً من المشاريع لتعديل أنظمة قائمة واقترحتم أنظمة جديدة، ما الذي تم عليها وما الذي أقر منها، وأين مصيرها الآن؟ أنت من الصحفيين الموجودين في المجلس بصفة مستمرة، وتعلم أن في المجلس زملاء لهم باع طويل في المبادرات بتقديم الأنظمة الجديدة وتعديل الأنظمة القائمة، وعرض التوصيات وغيرها، واستفدنا منهم كثيرا ومثلوا لنا القدوة الحسنة؛ وما تشرفت بتقديمه ليس إلا جهد المقل، في تعديل بعض الأنظمة القائمة أو اقتراح أنظمة جديدة. أتاحت المادة 23 من نظام المجلس لجميع الأعضاء تقديم ما يرونه من مقترحات، لكن هناك أعضاء لم يقدموا أي مقترح، ما السبب في نظرك؟ بحكم زمالتي ومعرفتي الشخصية، أقول لك إن في المجلس نخبة من الخبراء والمختصين الذين تعلمت منهم الكثير، ولكن العمل من خلال المادة 23 فيه متطلبات كثيرة، لوجيستية وإدارية وغيرها، لا تتوفر بسهولة، مما قد يوجد نوعاً من العزوف عن العمل بشكل شبه فردي في تلبية متطلبات المادة 23. ما رأيكم في خطوة خادم الحرمين الشريفين بإشراك المرأة في عضوية مجلس الشورى، وهل المجلس مستعد لاستقبالها؟ في الحقيقة، إنها خطوة تاريخية في سبيل تمكين المرأة للمساهمة في مجالات العمل الوطني انطلاقا من الشورى. فقد كنت تحت قبة المجلس لحظة إعلان خادم الحرمين الشريفين للقرار، وصفق الحضور ابتهاجا بذلك؛ وتشرفنا بالسلام عليه وتهنئته. ومن الطبيعي أن ينهي المجلس ما يلزم من استعداد قبل تفعيل قرار خادم الحرمين الشريفين بمشاركة المرأة. صمت من "ذهب" يقال إن هناك أعضاء صامتين في المجلس، ما تعليقكم؟ "في المجلس أحيانا، قد يكون الصمت من ذهب". ومشاركة عضو الشورى لا تقتصر على المداخلات أثناء الجلسات العامة. فمن الأعضاء من لا تسمعه إلا نادرا، لكنك تستفيد من رؤيته، أو وجهة نظره بأساليب كثيرة؛ منها اجتماعات اللجان، أو توصياته ومشاريعه، أو كتاباته وتقاريره، ومنها الاستشارات المتنوعة، ومقابلة المندوبين من القطاعين الحكومي وغير الحكومي. ومقابلة الوفود في المملكة وخارجها، وتمثيل الشورى في مناسبات داخلية وخارجية، وغير ذلك. هل أخذ مجلس الشورى ما يستحق من صلاحيات، وهل ترى توسيع صلاحياته؟ إن تمكن المجلس بصلاحياته الحالية من القيام بكل واجباته فهذا شيء يحسب له. روح المعسكر عملتم قبل تعيينكم عضواً في مجلس الشورى في المجال العسكري، فكيف وجدتم الفرق في بيئة العمل بالشورى مقارنة مع خلفيتكم وثقافتكم وشخصيتكم العسكرية، وهل اختفت عسكريتكم تحت قبة الشورى؟ هنالك مقولة شهيرة قد تنطبق على مثلي؛ مفادها: "أنك تستطيع أن تخرج العسكري من المعسكر، لكنك لا تستطيع أن تخرج المعسكر من روح العسكري". وبعد 7 سنوات في الشورى يمكنني القول إن هنالك فرقا كبيرا في طبيعة وبيئة العمل بين تجربتي العسكرية وتجربتي في الشورى، لمستها في الأشهر الأولى بعد تعييني عضواً في الشورى. وبالمناسبة أقول لك "إن من السهل على العسكري أن يصبح مدنيا، ولكنه من الصعب على المدني أن يتحول عسكريا"، ولو حتى في ارتداء البدلة العسكرية. وكيف إذن سارت الأمور معك في الأشهر الأولى بالشورى، وأنت "ابن الحرس "تلك المؤسسة العسكرية المشهود لها، وقد تعينت في الشورى وأنت عسكري على رأس العمل؟ وهل ما تعلمته في الحرس الوطني كان معينا لك في عملك ومشروعاتك في الشورى؟ شكرا للحرس فقد منحني الكثير وتعلمت فيه الكثير. حينما تم تعييني عضواً في مجلس الشورى، كان في الشورى حينئذ "جنرالان لا تخطئهما العين"، أحسنا استقبال الأعضاء الجدد وإرشادهم عن طبيعة وقواعد العمل الجديد ومتطلبات المرحلة الانتقالية القادمة للعمل تحت قبة المجلس. وكانت تجربتي في الحرس الوطني قد أتاحت لي كثيراً من الفرص العملية والتعليمية لحضور كثير من المؤتمرات والندوات في عدد من الدول، وكذلك منحني الحرس فرص للدراسات العسكرية والمدنية العليا في الشؤون السياسية والاستراتيجية؛ وهي أمور تدخل في مجال طبيعة اهتمامات مجلس الشورى. وبالتالي، لم أفاجأ بملفات الشورى. من تعني بالجنرالين؟ كنت سأقول لك إنهما الرئيس السابق لمجلس الشورى الدكتور صالح بن حميد، الإنسان النبيل، الذي كان "جنرالا مدنيا" في موسوعيته وسهولته الممتنعة وأريحيته وحسن توجيهه. كذلك الأمين العام السابق للمجلس، الدكتور صالح المالك "يرحمه الله"؛ كان نعم الأمين والإنسان الرائع بمهنيته العالية وكرم نفسه ومبادراته، وتواصله المستمر مع الأعضاء حتى بالمراسلات الشخصية أثناء الجلسة في كل ما هو مفيد. وأذكر أنه زارني في مكتبي بعد التعيين مباشرة، مثلما زار الأعضاء الجدد ليبارك لهم؛ ومما قال: أنت الآن عضو شورى، وهذا عمل برلماني؛ والشورى اليوم يقترب من أن يكون برلماناً بكل ما تعني الكلمة، فانتبه من النستالوجيا، قلت وماذا تعني، قال بلغة إنجليزية: "nostalgia الحنين للماضي". وأضاف لا يشغلك الحنين للعمل القديم، عن طبيعة ومتطلبات وثقافة وفهم قواعد العمل الجديد، فاحرص على التركيز نحو المستقبل ومتطلباته، واجعل لنفسك رؤية شخصية في مجال مهام الشورى، وحولها إلى أهداف مرحلية. ولعلك تتمكن بعد ثلاثة أشهر من وضع مسودة لخريطة طريق للأربع سنوات القادمة، تنفذ في كل مرحلة منها مشاريع معينة. "الشورى" عمل وطني وهل بالفعل يكون الفرق واضحا لمن يلتحق بعضوية المجلس؟ بصفة عامة أستطيع القول إن هذا شيء تفرضه الاختلافات البارزة في طبيعة المهام. ومن تجربتي أن أي موظف تنفيذي يأتي من الحكومة عسكري أو مدني، أو حتى القطاع الخاص، ويعمل في الشورى أو أي برلمان في العالم، سيواجه تحديا في الأشهر الأولى لتعويد نفسه على طبيعة ووتيرة العمل الجديد التي تبدو مختلفة وبطيئة؛ بحكم طبيعة دورة المعاملات قبل إقرارها أو رفضها. ففي العمل التنفيذي وخصوصا العسكري يتم العمل في ظل نظام وتعليمات مستدامة وفي مسار واضح. ولكن الشورى بحكم شمولية اختصاصاته يزاول أعمالاً ويدرس أنظمة وتقارير وملفات تخص كافة الجهات وتؤثر في القطاعين الحكومي وغير الحكومي، ولها علاقة مباشرة بالمجتمع ككل. وبالتالي، ففي الشورى مجال عمل وطني واسع وأكثر تنوعاً وتأثيراً، وهنا يكمن الاختلاف. كون سعادتكم من مواليد وأبناء منطقة نجران، هل ترون أنها أخذت نصيبها الذي تستحقه من المشاريع التنموية، خاصة أنها منطقة لها موروث تاريخي وتحتضن آثار الأخدود؟ نجران اليوم يتولى شؤونها أمير شاب له رؤى واضحة وطموحات كبيرة، أتمنى أن تتحقق؛ ولذلك أنا مطمئن جدا أن مستقبل نجران سيكون أفضل. ونجران من المناطق التي تحدث عنها خادم الحرمين الشريفين في زيارته التاريخية للمناطق بعد توليه مقاليد الحكم؛ حيث أشار الملك إلى وجود نقص في تنميتها. أتمنى أن تعمل الوزارات المعنية على تحويل ما قاله خادم الحرمين الشريفين إلى برامج تنموية تعوض نجران ما فاتها في خطط التنمية. المسرح وأرض الأخدود سبق أن تحدثتم وكتبتم عن فكرة مسرح للصوت والضوء في أرض الأخدود، فهل مازلتم على نفس التفكير؟ اليوم، الهيئة الوطنية للسياحة والآثار تشهد حركة غير عادية ولها خطط وطنية استراتيجية مدروسة تنفذ في معظم مناطق المملكة؛ والأمير سلطان بن سلمان حريص جدا، وأنا مقتنع أن الأخدود سيكون له نصيب الأسد. ففي الأخدود أحداث تاريخية يكفيها من الشهرة والشرف أن كرمها القرآن الكريم بحفظ قيمتها ومكانتها. والأخدود ليس شيئا نخفيه؛ فحادثته ورواياته مرصودة في سجلات ولغات العالم. وموقع وموروث الأخدود اليوم شأن يسرنا وجوده في نجران. ورغم ما في نجران من مقومات أخرى للتنمية إلا أن الأخدود بمفرده كفيل بتحقيق قيمة مضافة لو أحسن استغلالها سياحيا وثقافيا. وليس الأخدود منطقة نائية أو معزولة؛ بل هو معلم بارز في وسط حاضرة نجران وكان يمثل مركز نجران القديم، وكتب عنها باللغات الأجنبية أكثر مما كتب بالعربية؛ وقد وقعت أحداث الأخدود قبل الإسلام، وتشير المصادر إلى أنها في 25 نوفمبر 523م. ماذا تقترحون؟ أن يصدر قرار لتطوير واستثمار الأخدود، وأن تكون لها خطة استراتيجية مرحلية قريبة ومتوسطة المدى، لتطوير موقع الأخدود والاستفادة من موروث الأخدود، وغيرها من الآثار بنجران.