الروايات والشعر، تكاد تكون حمى مستباحا يرتاده كل من أراد متى أراد، لذلك تعج مكتباتنا بالروايات والدواوين الشعرية، التي هي في كثير منها ليس لها من صفتها الأدبية سوى العنوان، وليس لها من القراء سوى النقاد. كم عدد الروايات التي تصدر في بلدنا في كل عام؟ وكم عدد الذين يقرأونها؟ أحيانا يخيل إلي أن عدد الروايات الصادرة يفوق عدد القراء المتاحين لها! مجرد تخيل ولعلي أكون مخطئة في هذا الخيال! ومما يقال إن أكثر الروايات حظا لدى القراء هي تلك التي تتناول مواضيع محظورة كالنقد السياسي أو الديني أو الانفلات الجنسي، أما غير ذلك فحكمه حكم باقي الكتب من التلكؤ والثبات فوق أرفف المكتبات لا تجد لها راغبا. ومما يقال أيضا إن عنوان الكتاب له أثر كبير في رواجه، فهناك عناوين تصد وعناوين تجذب وعناوين باردة لا تصد ولا تجذب، والمؤلف البارع هو الذي يحسن اختيار عناوينه فيشد بها من يبحث عنهم من القراء، بعين الدهشة أو الفضول أو الإنكار، بأي عين شاء، فالمهم أن يحقق الهدف الأعلى، جذب القراء. أسوق هذه المقدمة لأشير إلى رواية مختلفة إلى حد ما، رواية ذات عنوان غريب (رقصة أم الغيث) من تأليف عبد الرحمن العكيمي، وهو عنوان يثير الفضول لرواية تتحدث عن الأرض والمطر والحب، ولكن الأجمل ما تنقله من صور تراثية ترتبط بالحياة في بلادنا في الجزء الشمالي منها. ولا تتوقعوا مني أن ألخص لكم هذه الرواية، فالروايات لا تلخص، ذاك أن جمال الرواية ليس في أحداثها أو ما انطوت عليه البداية والنهاية، وإنما في قدرتها على أن تجعل القارئ يعيش في داخلها ويندس مستغرقا بين ثنايا شخصياتها، فيصادق منهم من يحب ويتعاطف مع من يستحق التعاطف ويغضب ممن يستحق الغضب، يتجرد من عالمه ليغرق في عالم صنعته له الرواية. في رقصة أم الغيث يشعر القارئ أنه يعيش مع أهل الشمال في عاداتهم وترحالهم قبل عقود قريبة، فهي تصور ظروف الحياة في البادية وبعض القرى مما قد لا يعرفه كثير من سكان المدن في هذا العصر. الرواية تصور البيئة البدوية في شكلها البسيط حيث تتمحور فيها الحياة على قطرة ماء تجود بها السماء، وعندما عزت تلك القطرة، عز كل شيء غيرها. فالمطر صنو الحياة، يهطل فتورق الأشجار وتغرد الطيور وتخضر الرمال، ويغيب فتشحب الوجوه وتجف الشفاه ويستعر القحط، لينشط الموت ويستيقظ الفناء. وحين تعز السقيا، فتعلن الإبل عطشها، وتتشقق الأرض بجفافها وتتساقط الأغنام ضامرة، تتجه العيون إلى السماء تبحث عن لمحة من سحاب تطوف في الأفق تحمل أملا يجدد الحياة ويبشر بالبقاء. اعتمد المؤلف في روايته تصوير بعض العادات التي يتوارثها الناس في بيئتهم، بصرف النظر عن صوابها أو غيره، مثل رقص النساء حول «أم الغيث» الدمية لعلها تطرب فتسوق إليهم المطر، ومثل الارتباط بالآبار والأشجار وهي كلها رموز للبحث عن البقاء واستمرار الحياة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة