يرتكب الأول خطأه في جسد مريضه تحت ضوء خافت في غرفة مغلقة خلف ثلاثة أبواب، وسريعا سريعا يتحول (الخطأ) إلى خبر يأخذ مساره إلى الصفحة الأولى من الصحيفة الأولى، والأهم من ذلك حين يتحول إلى قضية ساخنة على طاولة قاض وطبيبين محايدين ومعهم أستاذ جامعي، وبمتابعة ثلاثة وزراء تحت مسمى «لجنة طبية شرعية» ليحاكموا (السيد طبيب) على الصغيرة قبل الكبيرة. ستنتهي القضية (المهنية) إلى حكم صارم يسحب من جيبه آلاف الريالات، وقد تمتد إلى أبعد من ذلك فتسحب منه رخصة مزاولة المهنة. يعاقب (السيد الطبيب) لأنه راع مسؤول عن رعاية عضو واحد من جسد عضو واحد في المجتمع، ولا تعتقدوا هنا أنني أشفق عليه أو أطلب له العفو بل على العكس فكل ذلك لا يردع، ولكنني أتأمل كيف يعاقب الطبيب وتقف له وضد كل زملائه الذين يخفون خطأه، لجنة بذلك الثقل وصرامة الأحكام ورغم ذلك لا تزال الأخطاء الطبية ترتكب بالتتابع وتصاعديا في أجساد المرضى. وفي الجوار يرتكب، السيد معلم، خطأه في حق طلابه المائة كل عام (واحسبوا كم عدد ضحاياه مع حلول تقاعده)، تحت ضوء الشمس وعين إدارته وفي غرفة مفتوحة وعلى سبورة وعلى كتاب وأمام كل من أراد أن يرى، فيتحول الخطأ التربوي الأخلاقي المهني الوطني إلى سطر باهت في محضر (مناقشة داخلية) تكتبه لجنة من زملائه على سفرة الإفطار ثم يمزق قبل كتابة سطره الثاني، هذا إذا وجد طريقه إلى النقاش ولم يدفن كالعادة تحت مجاملات المدير والزملاء. ينتهي خطأ السيد معلم بعد دردشة مع لجنة تحقيق كل أعضائها معلمون، بخطاب عتاب أخوي بسيط اسمه: (لفت نظر)، ليكمل به مائة خطاب تسلمها سابقاً تلفت انتباهه لذات الخطأ الذي يمارسه كل يوم في حق جيل طفولي وشبابي. ومرة أخرى، فأنا لا أطلب التساهل مع الطبيب ولكني أتسأل فقط وبالقياس: إن كانت أخطاؤه لا تزال في تصاعد رغم ملاحقتها بعشرات القضاة والأطباء والأكاديميين والصحافيين، فكيف حال ورقم أخطاء المعلم المغطاة والتي يباشرها صديقه المشرف التربوي في جلسة عابرة بعد أن يطمئنه بأنه مجرد إجراء روتيني، لا أكثر؟ [email protected]