تصادف هذه الأيام الاختبارات النهائية في المدارس والجامعات، وما يرافقها من تهويل وإعطائها أكبر من حجمها. ورغم المحاولات المتعددة لتغيير الأنماط التقليدية للاختبارات وإزالة رهبتها، إلا أن هذه الجهود تصطدم بتصرفات وقرارات تنعكس سلبا على الطلبة؛ وبالتالي على نتائجهم. وفي إطار جهود تطوير أساليب التقييم، أقرت وزارة التربية والتعليم نظام التقويم المستمر بالمرحلة الابتدائية، وبعض المقررات بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، الذي حقق نتائج إيجابية، رغم ما صاحب تطبيقه من سلبيات جهلا أو تجاوزا، كما قامت بتدريب المعلمين والمعلمات على جداول المواصفات والأدلة الإرشادية لإعداد الاختبارات، وأسهم إلغاء مركزية اختبارات الشهادة الثانوية في التخفيف من حالة الاستنفار التي تعيشها الأسر استعدادا لها؛ لكن ذلك لم يطور كثيرا من أساليب التقييم التي تعتمد على الاختبارات الكتابية كأسلوب وحيد للتقييم. وتمنح الجامعات أعضاء هيئة التدريس الثقة المطلقة لاختيار الأساليب الملائمة لتقييم الطلبة، وتطبيق أنواع حديثة منها، للوفاء بمتطلبات الجودة والاعتماد الأكاديمي، تستهدف تنويع أساليب التقييم، وتحسين مهارات الأداء. كان من المتوقع أن تسهم تلك المحاولات في الحد من رهبة الاختبارات، لكن العكس هو ما حصل. فلا زالت بعض المؤسسات التعليمية تسميها (امتحانات) ولا أحد يحب الامتحان! وتتحول الدروس الخصوصية إلى سوق رائجة خلال وقت الاختبارات، وينشط تصوير المذكرات، ويعمد الطلبة لابتكار وسائل جديدة للغش، لو صرفوا وقت إعدادها على المذاكرة لحققوا التفوق. ويمكن للمجتمع أفرادا ومؤسسات تحويل رهبة الاختبارات إلى بهجة بحيث لا تكون هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لتحسين أداء ومهارات الطلبة، واعتماد مسمى الامتحانات بدلا من الاختبارات، وتطبيق أساليب واستراتيجيات للتقييم تواكب التطورات الحديثة في المجال التربوي، وتركز على قياس أداء (Performance) المتعلم؛ ليصبح بالتالي تقييما واقعيا (Authentic Assessment) يعكس إنجازات الطلبة، ويقيسها في مواقف حقيقية، ويجعل الاختبار ذا قيمة ومعنى لهم، بدلا من الاقتصار على حفظ المعلومات واسترجاعها. ويمكن أن يشارك الطلبة في اختيار أساليب التقييم التي تقيس المعارف والمهارات الحياتية، وتدريبهم على إعداد الاختبارات وتصحيحها، وتقييم أنفسهم ذاتيا، أو بعضهم لبعض، وهو ما يعرف بتقييم الأقران (Peer Appraisal). وقد نجحت بعض المؤسسات التعليمية في التقليل من توتر الاختبارات بإضفاء الترفيه، وتقديم الهدايا، ومساعدة الطلبة لتقديم أفضل الإجابات، لتتحول الاختبارات إلى أيام عادية ومحببة للطلبة والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس. إن ترسيخ ثقافة رهبة الاختبارات قد تدفع البعض لتبني ما تناقلته الصحف من قيام إحدى وزارات التربية والتعليم العربية بتوقيع اتفاقية مع الجيش؛ لنقل اختبارات الشهادة الثانوية بالطائرات العسكرية، حفاظا على سريتها، وهو ما لا نتمنى حدوثه !. * جامعة الملك سعود - كلية التربية [email protected]