يخفق واقعنا العربي المعاش بنبضات بالغة التعقيد، غير محمودة العواقب ومستهجنة التداعيات. ذاك مرده إلى مفرزات واقع اليوم المستأثر باستقداح جذوات الحروب وويلاتها أزمات تستشري في مفاصل مجتمعاتنا، مؤثرة على مناحينا الاجتماعية، السياسية والاقتصادية. إنها إيحاءات تشخص بمخاض مستقبل مشوه المعالم. هذه ملامح مستقبلنا إن لم نتدارك الأمر. ولكن هل استدعينا من مكمن الداء، ما يمثله واقعنا في نفوس أطفالنا ؟. إنه شبح مخيف من وجهة نظر طفلة رأت مآخذ العالم من حروب ودمار وأزمات اقتصادية واجتماعية لتفصح: «لو كانت الكرة الأرضية مربعة، لوجدت مكانا للاختباء فيه». نحن، في خضم صراعاتنا وحروبنا نتناسى أجمل ما نملك وزينتنا في الحياة الدنيا، عطية الخالق لنا والتي لا يضاهيها وهم المال. كل مباهج الدنيا تظل محدودة أمام ما وعدنا به فاطر السموات والأرض من نعم دائمة، ونسلم جدلا أن مزايا الآخرة مرتبطة بأعمال الدنيا القائمة على توحيده تعالى، وهنا يظهر أثر العقيدة على السلوك الفاضل. ولأنهم - أي أطفالنا - سنمتحن فيهم يوم القيامة من تربية، نفقة، عدل ومساواة، يبقون مصابيح فرحتنا وأحزاننا، ومن أهم العبر التي تعلمنا الصبر والتحمل. ومنا من يتعلم من الأطفال بعض القيم الفاضلة، فمنهم من يرفدوننا بمكارم الصدق والأمانة والوفاء بالوعد والالتزام، ومالنا إلا الالتزام بكل تلك القيم الأخلاقية الرفيعة، وإن شببنا على نقيضها. إنهم دنيا تكبر لتسع مآثر أخرى، ولنا في جبران خليل جبران مقتفى حين أقر: «إن أولادكم ليسوا بأولادكم، إنهم أبناء أشواق الحياة وبناتها...». بيد أننا بتكريسنا لواقعنا المعاش في الذهنية الغضة، يصبح مستخلصنا التربوي أننا لم نوقيهم شح أنفسنا تجاه حقوقهم كاملة. إن غياب الآخر الطفل في أولوياتنا العربية، هو بمعنى من المعاني، حضور أنثولوجي متخم الدلالة بالأنا ضمن ذواتنا، بوصفها ذات حرة منطلقة في سلطويتها الأبوية، محبة لتملكها. ولأن غياب الطفل أيضا في ماهيتنا المستقبلية، هو تأكيد نرجسي لأنانية الفرد، فتبقى الحقيقة الأخيرة تتموضع بحكم إيثار الأشياء في مركز اهتماماتنا، فلا يتخذ منطق تقويمي موقعه أو قيمته إلا بالنظر إلى ذلك الذي يجسد المستقبل. فهو الذي يثبت وينفي، وهو الذي يسمي خططنا، فكيف نفرغ تلك الأسماء من معناها، لتصير غير جذرية الوجود بالذات والصفات المنشودة. لذا، علينا معالجة ما أمكن، بتكريس التربية الأخلاقية المقومة للجانب العقدي والسلوكي، فلقد أدرك الجنرال الأمريكي ماك آرثر أهمية هذه التربية عندما هزمت اليابان ودخلت قوات الحلفاء الأراضي اليابانية فشرع في دراسة أوضاع التعليم اليابانية فوجد، وبعد دراسة متأنية ومراجعة للعديد من المصادر، أصدرت اللجنة الأمريكية توصياتها التي جاء فيها إلغاء مادة التربية الأخلاقية إلغاء تاما توطئة لعزل النشء وتغريب مناحيهم. [email protected]