تعلمنا منذ الصغر أن الصدق ينجي صاحبه دائما، وكيف لا وديننا يحثنا ويحضنا على الصدق، وينهانا، بل ويحذرنا من الكذب، ولنتدبر كتاب الله تعالى لنعلم مآل الكاذبين وعقابهم «ألا لعنة الله على الكاذبين». وتعلمنا كذلك من خلال الواقع في مجتمعنا، من الآباء والأجداد، فضل الصدق وعاقبته، ووجدنا دائما من معلمينا في المدارس، ومشايخنا وعلمائنا ما يؤكد على فضيلة الصدق وضرورة التحلي بها، ورذيلة الكذب وضرورة النفور منها والابتعاد عنها. ولكن يبدو أننا في عصر انقلب فيه الهرم، واختلت فيه المعايير، واضطربت فيه القيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. كنت أتابع إحدى الفضائيات الشهيرة، ومن خلالها جاء تقرير عن دراسة بريطانية حول «الكذب» حيث أثبتت الدراسة أن نسبة الكذب عند الرجال تفوق نسبة الكذب عند النساء، ففي الوقت الذي يبلغ معدل الكذب عند الرجل بواقع ثلاثة كذبات يوميا «وكأن الأمر فريضة» أو ما يصل إلى ألف كذبة سنويا، نجد المرأة تكذب كذبتين يوميا أو ما يقرب من سبعمائة كذبة سنويا، لكن الدراسة أشارت إلى أن براعة النساء في الكذب تفوق نسبتها براعة الرجل، أي أن الرجل «خائب» في هذا المجال إذا ما قورن بالمرأة. ولو نظرنا إلى بلد كبريطانيا التي جرت فيها الدراسة وتعدادها يفوق الستين مليونا، وبعملية حسابية بسيطة، وجدنا أن حصيلة الكذب فيها تقدر بالمليارات، فما بالنا ببلد يبلغ تعداد أهله المليار؟! وليس معنى هذه الدراسة أن نفس النسبة لدينا في مجتمعنا، فقد نفوقهم في الكذب، وقد نقل عنهم كثيرا، فلكل مجتمع قيمه وأخلاقياته، ولو أني على يقين أن الكثيرين منا قد فاقوا الإنجليز في كذبهم، بل ربما أنتج أحد المسؤولين من الوعود الكاذبة في اليوم الواحد، ما يقدمه وينتجه الإنجليزي في شهر كامل. ما أقلقني هو تلك المقابلات التي أجرتها الفضائية مع مواطنين عرب من دولة عربية عديدة لاستطلاع آرائهم حول الكذب، وللأسف الشديد، أقر أصحاب المقابلات ضرورة الكذب واعترفوا بأنهم يكذبون، فالحياة في رأيهم تتطلب ذلك، وإن تعددت المبررات، واختلفت المناسبات التي يكذبون فيها. نعم، قد يباح الكذب في حالات محدودة، مع العدو مثلا، ولرفع معنويات الزوجة ونعتها بصفات طيبة، ربما لا توجد فيها بالفعل، أو للإصلاح بين المتخاصمين، لكن هذا لا يبرر على الإطلاق أن يصبح الكذب وسيلة لتحقيق المصالح، ولتحذير المواطنين وزرع الأمل الواهي والعشم الزائف في نفوسهم. وعود كثيرة نسمعها على نحو دائم من بعض المسؤولين، وعود برصف الشوارع، وتحسين الخدمات، ومعالجة أمر العشوائيات وغيرها مثل هذه الوعود هي بالضرورة من باب الكذب بل وخيانة المسؤولية وإن كان أصحابها ينجون بها من غضب الجماهير وينعمون بها برضى مديريهم ورؤسائهم، فإنهم حتما سيهلكون بها، وسيحاسبون عليها، وسيجزون عليها، يوم يقوم الناس لرب العالمين. واعلموا أن الصدق منجاة إلى أن تقوم الساعة .. فاللهم اكتبنا مع الصادقين. [email protected]