سبحان الخالق العظيم الذي فطر الإنسان على الفضيلة فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الكذب يقلل عدد خلايا الدماغ ويجعلها تتآكل.. وان منطقة (الناصية) هي المسؤولة عن نشاط الكذب وهي قشرة الدماغ الأمامية العليا وهي الأقرب مركزاً للدماغ من ناصية الرأس وهي التي تُعنى وتتحكم بالقيادة والتوجيه والاندفاع والسلوك.. وقد أثبت القرآن علاقتها بالكذب ووصفها في قوله عز وجل: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) فقد ربط سبحانه وتعالى ما بين الناصية والخطأ وهو ما اكتشفه العلماء حديثاً في الوقت الذي أكدوا فيه من خلال الدراسات أن الصدق لا يكلف الدماغ مجهوداً أبداً بينما يتطلب الكذب طاقة كبيرة تعمل على تدمير الخلايا.. وضرب العلي القدير المثل على ذلك في سورة الأعراف 176 (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). فقد شبه الخلاق العليم من يكذب بالكلب الذي يلهث لأن عملية الكذب والتكذيب تحتاج إلى بذل مجهود وطاقة تماماً كما يبذل الكلب طاقة كبيرة عندما يلهث.. فهل يدرك الذي استمرأ الكذب والافتراء على الناس وأكل حقوقهم وخانهم وادعى عليهم بالباطل خبث تلك الصفة الذميمة؟! يقول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.. (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).. ومن ضمن اكتشافات العلماء التي تؤكد أن الكاذب شاذ وفعله ضد الخلق والتكوين أنهم وجدوا في دراساتهم بأن الدماغ مصمم ليعمل على أساس الصدق بمعنى أن النظام الافتراضي لتشغيل الدماغ مبني على الصدق (كل مولود يولد على الفطرة).. ومن الغريب أيضاً أن العلماء قد وجدوا أن منطقة الناصية في مقدمة الدماغ تنمو أيضاً مع التقرب إلى الله والصدق والإيمان في الوقت الذي تتآكل خلايا المنطقة مع الزمن وتضمحل مع الكذب والبعد عن الله وضعف الإيمان فضلاً عن زيادة الاضطرابات النفسية والقلق والإحباط لدى هؤلاء ولذلك تجد الكاذب آكل حقوق الناس، ضعيف الإيمان، تعيساً قلقاً محبطاً، مهما اجتمع لديه المال بحق أو بدون وجه حق، وسوف يكون وبالاً عليه في الدنيا والآخرة. وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، فنحن نعيش في هذا الزمن ونرى من استمرأ الكذب وأكل السحت والحرام ونهب المال العام والخاص ولم يعبأ لا بالرشوة ولا باغتصاب الحق، وصارت قضايا التزوير والرشوة واستغلال السلطة والبهتان والإدعاء الكاذب تزيد وتنتشر بين الناس وكلها ترجع لضعف الوازع الديني والاستهتار بالكذب حتى أن البعض يمكن أن يتجرأ على الله ويحلف اليمين ويقسم على كذب وافتراء وباطل ولا يحرك الفعل في ضميره الميت أي شيء.. ونحن أحوج ما نكون إزاء ذلك التسيب الأخلاقي من البعض وارتياده طرق الكذب والنفاق والادعاء الباطل وخيانة الأمانة.. والعزوف عن الحق والصدق.. والجهل الكبير بمخاطر الكذب.. نحتاج إلى ثقافة الصدق لنغرسها في المجتمع من خلال الأسرة التي يستقي منها النشء أول رافد من روافد السلوك والطباع المكتسبة والموروثة جينياً لنحسن التعامل مع الأبناء والبنات ونرشدهم إلى مخاطر الكذب ونحبب إليهم فضيلة الصدق والاستقامة.. ثم عن طريق التعليم والمؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام التي لابد أن تلقي الضوء على هذه الصفة المشينة فالأمر جد خطير والكذب منشأ جلّ إن لم يكن كل الممارسات المشينة الخاطئة والانحراف وأكل الحقوق وتعطيل المشاريع واستغلال المناصب والسلطة. والخيانات وضياع الأمانة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. دوحة الشعر: ضمير بعض الناس مات من زمن ضمير بعضٍ.. من الإحساس.. مستتر [email protected]