مما نقل عن الدكتور يوسف الأحمد، أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام استنكاره قرار وزارة التربية والتعليم بالسماح للمدارس الأهلية أن تسند تعليم الذكور ما بين سن السادسة والتاسعة إلى المعلمات مع اشتراط أن يكون تعليمهم في فصول منفصلة عن فصول الإناث، وكانت حجته أن ذلك مخالف للشرع لما فيه من تطبيع الاختلاط المحرم. حين قرأت ذلك الخبر توقفت عنده كثيرا، وهو يستدعي الوقوف حقا، بل الوقوف طويلا، ذاك أنه ليس خبرا منقولا عن رجل من عامة الناس، وإنما هو خبر منقول عن استاذ في الفقه، وهو لا يمكن أن يكون جاهلا بتاريخ التعليم عند المسلمين وما كان فيه من تعليم النساء للرجال دون إنكار من أحد. تاريخ المسلمين التعليمي والعلمي يخبرنا أن غالبية من فقهاء وعلماء المسلمين تلقوا جزءا من تعليمهم على أيدي نساء، حيث كانت النساء تسهم في التعليم سواء في المساجد أو في الكتاتيب أو في البيوت، وقد نصت على ذلك بعض كتب التراث الإسلامي مثل تاريخ بغداد، ووفيات الأعيان، وطبقات الشافعية، وطبقات ابن سعد، والنجوم الزاهرة، والضوء اللامع، ونفح الطيب، وغيرها. وتخرج على أيدي المعلمات مشاهير العلماء في العالم الإسلامي مثل ابن الجوزي والتعاويذي اللذين تعلما على يدي شهدة الدينورية التي كانت لها حلقة في مسجد بغداد وكان يحضرها جمهور عظيم من الطلاب والمجتهدين. ومثل الإمام الشافعي الذي تلقى علم الحديث عن نفيسة بنت الحسن وكان يحضر حلقتها في المسجد في مصر، ومثل الخطيب البغدادي الذي تتلمذ على يد كريمة المروزية، وابن خلكان الذي سمع الحديث من زينب بنت الشعرى، وعبد الملك بن مروان الذي عرف عنه حضوره لحلقة أم الدرداء الصغرى في مؤخر المسجد الأموي في دمشق. وبلغ الأمر بالعلماء الذين تلقوا العلم على أيدي النساء أنهم كانوا يعتزون بذلك، كالحافظ ابن عساكر الذي يذكر فخورا أنه تلقى العلم عن إحدى وثمانين امرأة. وهناك شواهد كثيرة أخرى في تاريخ المسلمين تدل على أن النساء اشتغلن بتعليم الذكور ولم يقل أحد عن ذلك إنه مؤد إلى تطبيع الاختلاط أو إنه مؤثر في خلق الصبي ومكسب له صفات أنثوية كما يظن البعض. وما يظهر للمتتبع لحياة السلف هو أن اقتباس العلم ممن يعلم، سواء كان رجلا أو امرأة، هو من السمت العام الذي اتصف به المجتمع الإسلامي، وأن إنكار ذلك يبدو فيه شيء من إنكار ما قبله السلف وعملوا به.. إن مصلحة المجتمع تقضي الانتفاع من جهود النساء والرجال معا، وإذا كان كثيرون من الناس يرون أن أكثر الأعمال مناسبة للمرأة هي التعليم، فإن من المناسب ترك تعليم الصغار للنساء، وشغل الرجال بما هو غير ذلك مما يرى أنه لا يناسب الإناث. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة