من المواقف التي لا تنسى أذكر أنه في إحدى القرى ومنذ أكثر من 35 سنة قاد سائق مخمور شاحنة صغيرة (وانيت) ليلا، وأخذ ينعطف بها يمنة ويسرة داخل أزقة القرية الترابية (لا يوجد إسفلت)، وانتهى به الأمر إلى اقتحام مقبرة القرية، في ذلك العصر الجميل لم يكن للمقابر أسوار، والآن أصبحنا نرفع أسوار المقابر وكأننا نخشى أن يهرب أحد الموتى، ونخفف أسوار مدارس البنات ونوافذها فهل السبب الخوف من حياة الموتى أم موت الحياء والغيرة. المهم أن السائق المخمور (درعم) بسيارته داخل المقبرة وراح يقفز بها من قبر إلى آخر واستيقظ الناس، ليس على صوت استنجاد الموتى طبعا ولكن صوت ارتطام سنام القبر وعلاماته بأسفل السيارة، وهرع الناس مسرعين ليجدوا أن «الوانيت» قد غرز كفره في أحد القبور ونزل السائق المخمور وهو يردد (أعرفه هذا غثيث في حياته وبعد موته) يقصد صاحب القبر الذي أوقف متعته. قبض أهل القرية على السائق وحبسوه في إحدى الغرف حتى فرغ الشيخ من صلاة الفجر (في الزمن الجميل لا تستغرق القضايا لنظرها سوى ساعات محدودة وليس سنوات ممدودة)، وعندما حضر أمام الشيخ كان لا يزال بين السكرة والفكرة لم ينعتق من سكرته بعد، فبدأ أهل القرية يقدمون ترافعهم أمام الشيخ معبرين عن اعتراضهم على فعلته ومرددين إنه امتهن حرمة الموتى، ويرددون لقد دهس آباءنا وأجدادنا وأحبابنا. فما كان من السائق المخمور إلا أن رد ببرود السكران الذي أوشك على إدراك ما حوله قائلا (لا يكون قصدكم تبوني أدفع ديات ناس ميتين من خمسين سنة؟! أعرفكم تسوونها، يا حبكم للطلايب). قصور نظر هذا المخمور وضحالة تفكيره وتجاهله لحرمة الموتى وهو ما قصده الأهالي ذكرني بتجاهل أناس يفترض أنهم أصحاء عقول لحرمة الميت وضرورة الترحم عليه عند ذكره خاصة عندما يكون أبا أو رجلا صالحا، فذلك (السكران) ربما لو ذهبت عنه السكرة تماما وحضرت الفكرة فإنه سيدرك ما قصده الناس وسيندم على امتهان حرمة الموتى وحرمة صاحب القبر الذي سبه، لكن المشكلة في من يتناسى حق الموتى في الدعاء لهم والترحم عليهم عند ذكرهم، وضرورة ذكر محاسنهم وليس ما يعتقده هو شيء غير فاضل فيردده عن أناس لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، بئس القوة الاستقواء على ميت وشر العقوق أن لا يترحم الرجل على والده. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 262 مسافة ثم الرسالة