حين نشر في أفياء قبل أيام مقال حول الحاجة إلى إبقاء اختبار القياس؛ لقيامه بدور التصفية الصادقة للطلاب الملائمين للدراسة الأكاديمية واستبعاد غيرهم، استاء من المقال كثير من الشبان الذين حسب ما يبدو لي لم يتمكنوا من اجتياز الاختبار، وما زالوا مصرين على أن السبب هو صعوبة الاختبار وليس ضعف مستوى تحصيلهم العلمي الذي جاءوا يحملونه من مدارسهم. وأنا هنا لا ألوم أولئك الطلاب على موقفهم هذا من الاختبار فهي ردة فعل طبيعية، وما كتبت المقال مخاطبة لهم، ولكن الخطاب موجه إلى الآخرين الذين يهاجمون الاختبار وهم لا معرفة لهم به سوى من خلال ما يسمعونه من بعض الطلاب أو أهلهم، الذين يصورون الاختبار كعقبة لا يجتازها إلا العباقرة، رغم ما يرونه أمام أعينهم من اجتياز عدد كبير من الطلاب لذلك الاختبار، والتحاقهم بالجامعات رغم أنهم ليسوا من العباقرة وإنما هم عاديون من عامة الناس. إني حين أؤيد فرض اختبار القياس كأحد الشروط المؤهلة للالتحاق بالتعليم الجامعي، فذلك لأني من خلال عملي في الجامعة واحتكاكي اليومي بالطالبات، لمست عن قرب ما هن عليه من ضعف في مستوى التحصيل العلمي، فالطالبات إلى وقت قريب لم يكن يطبق عليهن شرط اجتياز ذلك الاختبار، وكان الشرط الوحيد للقبول في الجامعة ارتفاع المعدل الدراسي في شهادة الثانوية العامة، إلا أن ارتفاع المعدل لم يكن دائما صادقا في دلالته، فليس نادرا أن نجد طالبة تحمل تقديرا مميزا في الثانوية، لكنها لا تستطيع أن تقرأ صفحة في كتاب، قراءة سليمة وتفهمها فهما كاملا صحيحا، أو تكتب صفحة واحدة دون أن تقع في عدد من الأخطاء النحوية والإملائية بل وفي الضمائر وأدوات الوصل، بله علامات الوقف ومنهجية الكتابة الصحيحة. وفي هذا الفصل الدراسي، قدر لي أن أدرس شعبة الطالبات في برنامج الماجستير (الموازي)، وهو برنامج تعليمي استحدث في جامعة الملك سعود يماثل تماما بقية البرامج التعليمية، إلا أنه مخصص لاستقبال الطلاب والطالبات الذين لا تؤهلهم معدلاتهم الدراسية للالتحاق بالجامعة في برامجها العادية، مقابل رسوم مالية يدفعها الطلاب. وتدريسي لتلك الشعبة أتاح لي ملاحظة الفرق الكبير بين شعبة الموازي والشعب الأخرى التي أدرسها من حيث تدني الخلفية العلمية للطالبات الملتحقات بالتعليم الموازي، وانخفاض مستواهن في القدرة على الفهم والاستيعاب والتفاعل والحماس والجدية، مقارنة بزميلاتهن في الشعب الأخرى. وبطبيعة الحال، فإن هذا سينتهي بالدراسة في الجامعة لتصير إلى أحد مآلين: إما أن يضطر الأستاذ إلى الانحدار في مستوى ما يقدمه من أشكال المعرفة؛ ليتقرب من فهم الطلاب ودرجة استعدادهم، وإما أن يبقى على المستوى المطلوب فيتعرض الطلاب للإخفاق، وآنذاك سيقول الطلاب: إن الجامعة (شديدة) و(صعبة) و(أسئلتها تعجيزية). خلاصة القول هي: إن التعليم الجامعي ليس فرض عين، فهناك بعض من الناس غير مهيأين للدراسات الأكاديمية، ومن الظلم لهم وللمعرفة أن ينتسبوا إليها، كما أنه من الظلم لهم وللمجتمع أن تغلق أمامهم أبواب المعرفة جميعها فلا يبقى سوى الباب الأكاديمي، الذي هم غير قادرين على اقتحامه. إن المعرفة لها أبواب واسعة ومجالات متعددة ومن حق أبنائنا أن نيسر لهم سبل الوصول إليها من أبوابها الأخرى الكثيرة والمتنوعة، فذلك خير من أن نشوه المعرفة الأكاديمية وننحدر بها لتلائم الجميع، القادرين وغيرهم. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة