قضية الهوية وما يكتنف كنهها من غموض باتت في هذا العصر من القضايا التي تتصدر الأحاديث والنقاشات، خاصة مع الاطراد في تداخل الثقافات وتقارب الحدود وهشاشة الفواصل بين المجتمعات الحديثة. والبحث في الهوية كان ومازال الشغل الشاغل للفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع والأدب والفن وسواها من المجالات التي تعنى بفهم حقيقة الإنسان واكتشاف خفايا طبيعته المبهمة. الدكتور إبراهيم محمد الشتوي، أكاديمي شاب من أساتذة جامعة الإمام، معني بالدراسات النقدية في مجال الأدب، صدر له أخيرا كتاب حول مفهوم الهوية كما يتجسد في بعض الروايات العربية بعنوان (أبحاث في الهوية: دراسات في الرواية العربية). والكتاب ممتع كل الإمتاع، مكتوب بلغة جميلة وسهلة، كما أنه قيم لاشك في ذلك، فهو يتناول موضوعا مهما يتكرر التفكير فيه ويطرد الجدل حوله ويشغل أذهان الكثيرين منا.. يركز الكتاب على مفهوم الهوية وكيف تظهر في أشكال مختلفة لدى كتاب الرواية العربية حسب الزاوية التي ينظر منها كل منهم، أي أن مفهوم الهوية في الروايات التي تتناولها يظهر مرتبطا بعوامل ذاتية أكثر مما هو مرتبط بعوامل خارجية. وقد اختار المؤلف روايتي (سفينة وأميرة الظلال) للروائية مها الفيصل، ورواية (جبل قاف) للروائي عبد الاله بنعرفة، لتكونا نموذجا لرؤية الهوية كما تتبدى في الرواية العربية، فالهوية في كل من الروايتين كما يقول المؤلف، تجيء موضع نقاش كثير وبحث وسيلته الاعتماد على الماضي، ماضي الإنسان سواء كان تاريخا أم تراثا شعبيا، ويخلص المؤلف في دراسته إلى القول بأن الهوية في الروايتين ظهرت متباينة، فهي عند مها الفيصل تعني الأنا المستقلة عن الآخر وإن تعددت مكوناته، بينما عند بنعرفة تبدو الهوية ممثلة في الأنا المتداخلة مع الآخر وأن الفصل بينهما أصبح ضربا من المستحيل. إني أدرك تماما أن كتابا كهذا، يضم دراسة نقدية تحليلية لمفهوم الهوية من خلال ما يظهر في بعض الروايات العربية، يصعب على الكاتب تقديمه والحديث عنه في سطور محدودة تجتزيء ما فيه اجتزاء قد يخل بالأفكار ويفسد المعاني. فليعذرني الدكتور الشتوي إن بدا الحديث عن كتابه غير واف بما احتواه، وله مني أعمق التهنئة بصدور كتابه هذا، وجزيل الشكر على تفضله باهدائي نسخة منه.