مغاسل الملابس التي تنتشر داخل المدن والأحياء وتحتل مواقع استراتيجية في معظم الشوارع الرئيسة، بعضها يحرق الثياب والمواعيد الحميمة، وبعضها الآخر يبدلها أو يضيعها في الزحام. ونظرا لعدم وجود نظام لتأجير الملابس -كما هو معمول به في بعض البلدان القريبة- يجد بعض المتعاملين مع هذه المغاسل أنفسهم، خاصة شريحة العزاب، في مواقف محرجة لا يحسدون عليها. وفي ظل غياب أو عدم وجود عقوبات كافية على هذه المغاسل لا عزاء لضحاياها أو تعويض يوازي حجم خسارتهم في ثيابهم أو المواعيد والمناسبات التي فاتتهم بفعل إهمال بعض العاملين فيها. ورغم الخدمات التي تقدمها مغاسل الملابس لجمهور المتعاملين معها، إلا أنه في ظل غياب الرقابة عليها، لا يخلو عملها من بعض المخالفات ذات العلاقة المباشرة بالصحة العامة. جولة «عكاظ» في عدد من مغاسل الملابس في جدة، كشفت عن العديد من المخالفات والممارسات المتعلقة بفرز الملابس وتصنيفها حسب درجة اتساخها ونوعها، وتحديد مواد التعامل مع كل صنف، وغياب خدمة الغسيل الخاص لكل زبون، والغسيل الجماعي للملابس، وعدم تحديد أقسام للغسيل والتجفيف والكي والتغليف، فضلا عن عدم تعاملها الخاص مع الملابس الداخلية، والملابس شديدة الاتساخ، ومعالجتها بمواد فعالة تقضي على الميكروبات المعدية، ما يدعو لمراقبتها ووضع ضوابط لعملها وتفعيل اشتراطاتها الصحية؛ تفاديا لحدوث تلوث بين الملابس النظيفة والمتسخة بما يحول دون انتقال الأمراض. وفي الحكايات التالية التي يرويها بعض الذين التقتهم «عكاظ» من عاملين في هذه المغاسل أو المتعاملين معها ما يؤكد هذه المخالفات والممارسات الخاطئة: موعد على العشاء يقول عادل العتيبي: منذ 13 عاما وأنا أتعامل مع هذه المغاسل وبصراحة أرهقتني واستنزفت ميزانيتي ولكن لا مفر، ودائما ما أركز على الأشمغة والغتر فكما تعلم لدينا عادة ارتداء الشماغ والغترة في المناسبات العامة والخاصة، فأنا مثلا لدي تعامل خاص مع الشماغ، إذ لا بد أن يكون بمرزاب والغترة دون مرزاب، وكثيرا ما يخطئ أصحاب المغاسل معي في هذه النقطة، ففي أحد الأيام ذهبت لإحدى المغاسل في جدة ووضعت لديهم ملابسي كاملة وعدت لهم بعد خمسة أيام، وفوجئت أنهم لم ينجزوا عملهم وأنا في نفس اليوم لدي (عزيمة) خاصة ولا بد من حضورها، فتجادلت معهم جدالا شديدا وكان عذر العامل أنه نسي ولديه عمل كثير، فما كان مني إلا أن أخذت ملابسي وذهبت بها لمغسلة أخرى، وحينها كان الوقت متأخرا وكنت على وشك الانهيار فليس لدي ما ألبسه، بل إنني كنت على استعداد لدفع أي مبلغ للخروج من هذه الورطة وبالفعل وفقت في إيجاد مغسلة أنقذتني فذهبت لموقع العزيمة متأخرا، لكن ذلك كان أفضل من ألا أذهب. لكمة خطافية ويروي محمد نظام الدين (40 عاما) قائلا: أعمل في المملكة منذ ما يقارب ال16 عاما في غسيل الملابس، ومررت بكثير من المواقف المخيفة؛ فذات مرة جاءني شاب في مقتبل العمر وأعطاني (تي شيرت) يريد غسيله وكيه، وفي اليوم التالي جاء واستلم ال(تي شيرت) لكنه عاد بعد فترة وقال لي بكل عنف «أنت مزقت ال(تي شيرت)» فقلت له: لقد جئت به وهو على هذا الحال فما كان منه إلا أن وجه لي لكمة عنيفة، وجاء رجال الأمن وفي قسم الشرطة أخذ يصيح ويبكي ويقول إن القميص قيمته 800 ريال وإنني أحرقته لكن ضابط القسم استشهد بالعاملين معي على صدق قولي ووجه إليه تهمة التعدي وتهمة الكذب ورأفت بحال الشاب تنازلت عن القضية. تشابه في الأسماء وفي حادثة أخرى يقول نظام الدين: كان موقفا طريفا، جاءني شاب وهو زبون دائم وطلب مني أن اغسل ثوبه وشماغه وأقوم بكيهما، وفي اليوم التالي جاء وأخذ أغراضه وذهب، وبعدها مباشرة جاء زبون آخر وأخذ أيضا ثيابه وانصرف وبعدها مباشرة عاد الشاب الأول حاملا معه الثوب والغترة وهو يقول هذه ليست لي، وبعد تدقيق وتمحيص كانت الكارثة تشابها في الأسماء هو السبب، وحينها عرضت عليه أن ينتظر لحين مجيء الشاب الآخر، لكن الزبون الثاني اتصل بي وقال أنه غادر للرياض ولن يعود قبل اسبوعين، لكني اعتذرت منه وتفهم الأمر وتبادلنا الابتسامات وذهب كل في حال سبيله! تعويض مناسب فيصل يحيى عبده (عامل مغسلة) يقول: أعمل منذ ما يقارب الأعوام التسعة، وكثيرة هي المشاكل التي واجهتني، محلي بالقرب منه الكثير من المنازل الشعبية التي يسكنها شريحة كبيرة من العمال البسطاء، لذلك نحن نعاني منهم ومن مشاكلهم المتكررة فأكثر ملابسهم متهرئة ومتسخة. وأذكر أن جاءني ذات مرة زبون وطلب مني الاهتمام بقميصه، وعند استلامه في اليوم التالي تهجم علي وكاد يضربني متهما أنني تسببت في تمزيق ملابسه رغم أنها ممزقة وتدخل بعض الزبائن وفضوا الاشتباك، وحتى أنهي الأمر عوضته عن قيمة القميص وأنا متأكد أنه لا يستحق أكثر من 20 ريالا وانتهت المشكلة. اختلاط المتسخة بالنظيفة رامي باويان يقول «كانت والدتي هي التي تهتم بملابسي من غسيل وكي ولكن مع تقدمها في السن وعدم استطاعتها الوقوف طويلا، أجبرني ذلك على ارتياد المغاسل مع علمي المسبق أن ملابسي تغسل مع كثير من الملابس المتسخة، لكنني أحاول قدر المستطاع الذهاب لمغاسل معروفة تهتم بالملابس وبأدوات النظافة والتعقيم، لكن معاناتي هذه لن تنتهي إلا بالزواج، فأنا شهريا أدفع 250 ريالا إلى مغاسل الثياب وهذا بحد ذاته استنزاف». التعامل بالآجل محمد علي جمعة يقول: أتعامل مع المغسلة التي تجاور منزلي منذ زمن طويل ولا أستطيع الدفع بشكل منتظم لذلك استخدم نظام (الدين أو بالآجل) ولكنني في بعض الأحيان أكون على عجلة من أمري حتى أنه ذات مرة وقعت مشكلة بسبب الاستعجال، والسبب أنه كان لدي صديق وهو على وشك السفر في ذلك اليوم وليس لديه ما يرتديه من ملابس نظيفة وأخذت ملابسه لنفس المغسلة التي أتعامل معاها ولم يستجب لي صاحبها إلا بعد أن أدفع له كل المبالغ المؤجلة ومن أجل صديقي رضخت. شهران للاستلام محمد الغزي يقول: ذات يوم جاء زبون ومعه سجادة و7 بطانيات على أساس أنه سوف يعود ويأخذها بعد 5 أيام وذهب وغاب مدة تزيد على ال9 أشهر، فما كان من صاحب المغسلة الذي أعمل لديه إلا أن أودعها المستودع فلدينا في الفاتورة شروط من ضمنها أن المحل غير مسؤول عن أي غرض بعد مضي شهرين من تاريخ الفاتورة، وما زالت في المستودع حتى الآن. حماية المستهلك مصدر في وزارة التجارة أكد أنه لا بد أولا من توفر الشروط اللازمة لافتتاح أي محل أو مؤسسة؛ وهي صورة دفتر العائلة أو صورة بطاقة الأحوال المدنية مع الأصل لكل من التاجر والوكيل المفوض ومدير المؤسسة مع تقديم ما يثبت المهنة من الأحوال المدنية، وثانيا؛ صك ملكية أو عقد إيجار المؤسسة، وثالثا؛ ترخيص من الجهات الحكومية ذات الاختصاص للأنشطة التي يتطلب مزاولتها ترخيصا لها، ورابعا؛ إحضار شهادة اشتراك الغرفة التجارية الصناعية للسجل الرئيسي وخطاب مسك الدفاتر التجارية للسجل الفرعي، بالإضافة أن يكون طالب القيد في السجل التجاري قد أكمل سن الثامنة عشرة مع تقديم وكالة شرعية أو تفويض مصدق من الغرفة التجارية الصناعية بإتمام إجراءات القيد في السجل التجاري. وعن دور الوزارة، فهي تشترك بموجب نظام اختصاصها الصادر بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (66) وتاريخ 6/ 4/ 1374ه مع عدد من الأجهزة الحكومية في توفير الحماية للمستهلك من خلال دورها الرقابي والميداني في الأسواق؛ تنفيذا لنصوص وأحكام مجموعة من الأنظمة المعتمدة، وفي مقدمة ذلك نظام مكافحة الغش التجاري، نظام المعايير والمقاييس، نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، نظام العلامات التجارية ونظام الوكالات التجارية وقواعد السياسة التموينية ونحن لا نتهاون في أنظمتنا. الرأي الأمني ويعلق المتحدث الإعلامي في شرطة جدة مسفر الجعيد «نحن كجهة أمنية، نحاول قدر المستطاع احتواء المشاكل وعدم تشعبها من حيث إيجاد الحلول الجذرية وإنهائها بشكل ودي يرضي جميع الأطراف وبخصوص المشاكل الواردة لدينا من الزبائن تجاه المغاسل الآلية والأوتوماتيكية لم تصل لحد الظاهرة، فهي قليلة جدا مقارنة بما هو أهم منها، لذلك دائما ما تكون هناك حلول سريعة في ما يخص مثل هذه الأمور الصغيرة».