رغم أن البعض منهم علمته التجارب أن يكون حذرا إلا أنهم كثيرا ما يقعون فيما يحذرون منه، فيما تركها البعض «على الله» كما يقول المثل! وبعضهم الآخر يظل يتفحص مرافقه فيرفض من يتشكك فيه، ويرافق من يحسن الظن به، أساليب الاحتيال التي مرت بهم كثيرة و القضية تجاوزت الذهاب للصراف والدخول من باب العمارة الأمامي و الخروج من الباب الخلفي، و لم تعد المسألة مجرد راكب يجلس ثم يحتال و إنما وصلت إلى مرحلة التمثيل بالمرض و الاحتيال بالألم. كل هذا و غيره جعلهم في حيرة بمن يثقون وبمن يشكون؟ وهروبا من تلك الحالة سلم الكثير منهم مع شيء من الحذر أمرهم لله تعالى ورددوا مثلما قلنا سابقا: «تركناها على الله» . سائقو سيارات الأجرة حكايات لا تنتهي مع الركاب، و في كل مرة تأتي في ثوب جديد.. فماذا قالوا: سرق هاتفي علي الشدوي يقول: سبق أن صعد معي راكب وبعد أن أوصلته إلى مشواره طلب هاتفي الجوال حتى يتصل بوالدته لتحضر له قيمة المشوار، وتظاهر بأنه يود أن يكلم والدته على انفراد فخرج من السيارة وتوارى قليلا إلا أنه مضى وقت طويل دون أن يظهر فشككت بالأمر، وحينما خرجت من السيارة لأتفقد الموقف لم أعثر له على أثر فلقد فر هاربا بهاتفي الجوال، وبقيمة المشوار. ذهب ولم يعد أما صلاح محمد الشرعبي (32 عاما) فيقول: مهنتنا تتطلب أن نتفحص الراكب أولا، و قبل كل شيء وأن نتأكد قدر المستطاع أنه ممن لا يقوم بالإساءة لنفسه أو لنا فقد صارت بعض الأمور عادية عندما يصعد أحدهم معك، ثم بعد الوصول لمشواره أو مشاويره يتهرب من دفع قيمة تلك المشاوير, وأذكر أن أحدهم صعد معي طالبا إيصاله إلى مشوار طويل وبعدما وصل إلى هناك اعتذر بحجه أنه نسي النقود في البيت و أنه سوف يقترض المبلغ من قريبه و يعود غير أنه ذهب و لم يعد. يخدعون أنفسهم لكن إبراهيم محمد الزبيدي (61 عاما) قال: أنا كسائق أجرة أتعرض لمواقف كثيرة و لا يكاد يمر يوم دونما أتعرض لهذه المواقف، لكن أنا ممن يحتسب أجره على الله تعالى و هؤلاء يظنون أنهم يضحكون على سائق الأجرة، بينما هم يضحكون على أنفسهم و من فضل الله تعالى لا أذكر أنني غضبت أو توترت نتيجة لتصرف مثل هذا أنا رجل «أتوكل على الله تعالى» ومن يتظاهر بأنه سيدفع قيمة المشوار ثم يهرب إنما هو يخدع نفسه، أما أنا فحقي محفوظ عند الله تعالى. المشكلة أن أغلب من يتصرف بهذه التصرفات هم من الشباب مع الأسف الشديد والمشكلة أن بعضهم لا يقتصر على التهرب من دفع قيمة المشوار فقط، بل يتطاول أكثر لدرجة أنه يفكر في سرقة ما لدى سائق الأجرة . الأنيق هرب بقيمة المشوار ويحكي مستور عوض الله الجهني (64 عاما) جانبا من تجربته الطويلة في العمل كسائق «تكسي» قديما و حديثا بقوله: الناس يختلفون فهناك الكريم الذي نتفق معه على قيمة معينة للمشوار فنجده يعطينا ضعفه كرما منه، في حين هناك من يقتصر على دفع ما تم الاتفاق عليه فقط و هذا أيضا رجل يخاف الله، أما الشريحة الأخرى وهي القليلة فهي تلك التي تستهلك وقتنا كله في التنقل من شمال المدينة إلى جنوبها ومن شرقها حتى غربها، وفي النهاية يتوقف بنا عند عمارة و يهرب. ولا أنسى الرجل الأنيق الذي كان يجلس بجواري ملقيا طوال مسافة المشوار محاضرة عن ضرورة خشية الله والخوف منه و عدم أكل حقوق الناس، وعندما وصل إلى هدفه طلب مني الانتظار وجلست أنتظره قرابة الساعة، إلا أنه لم يأت، وخرجت من السيارة ودخلت إلى العمارة لا تفاجأ بوجود باب صغير يؤدي إلى مواقف السيارات، عندها أيقتنت أن الأنيق هرب. ويضيف متذكرا بعض المواقف ويقول: ذات يوم أوصلت ثلاثة من طلاب المرحلة المتوسطة عند انصرافهم إلى الحي الذي يسكنون فيه، وما أن وصلنا حتى تقافزوا من السيارة وتمكنت من الإمساك بحقيبة أحدهم، وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى مدرستهم وأبلغت المدير بما حدث فأحضرهم واستدعى أولياء أمورهم ودفعوا لي قيمة المشوار واعتذروا مني على تصرفات أبنائهم. فزعة مواطنين ويتذكر سعد فراج الشهبي (45 عاما) أحد المواقف التي مرت به قائلا: لن أنسى الموقف الذي جمعني مع ستة وافدين، طلبوا إيصالهم إلى جنوبجدة وعندما أوصلتهم لداخل الحي هموا بالهرب لكني أمسكت بأحدهم، وشاهدني اثنان من المواطنين وتدخلا وأجبروهما على دفع قيمة المشوار. البيض تحول إلى خشب و لم يكن محمد عبد الإلة الكردي (48 عاما) بأسعد حالا من سابقه حيث يقول: قبل ثلاثة أعوام تقريبا توقفت لرجل كان برفقته امرأة ظلت تصيح و تتوجع و تتلوى، و هو يطلب مني زيادة السرعة و قال لي إنه يرغب في إيصالها للمستشفى لأنها تعرضت للدغة عقرب، ولقد صدقت الرجل و صراخ المرأة التي معه وعندما وصلنا إلى المستشفى أنزل المرأة ثم قال لي بصورة مستعجلة أعطني مئة ريال قيمة الكشف ريثما أدخلها ثم أعود إليك لكي أسحب من الصراف و أعطيك كامل المبلغ. صدقته وأعطيته المبلغ وبحثت عنه داخل المستشفى ولم أجده. ويقول أيضا، وذات مرة أوقفني شخص بجوار محلات تجارية في حلقة الخضار وطلب مني مساعدته في حمل كرتون بيض كبير معه و نزلت و حملت الكرتون فطلب مني أن أضعه في المقعد الخلفي حتى لايتعرض للكسر، وفي الطريق أخذ يتحدث معي وهو يوهمني بأنه عامل في كافتيريا و أنه يشتري البيض من هنا لأنه أرخص ثمنا، ثم أوقفني في أحد الشوارع و قال لي: انتظر قليلا ريثما أحضر زميلي لكي يساعدني في نقل كرتون البيض من السيارة للكفتيريا، وبعد مرور وقت طويل فتحت الكرتون فلم أجد بيضا وإنما مجموعة من الأخشاب..رميتها هناك وأنا أضحك وأيقنت أنه مع القدر لا ينفع الحذر.