كشفت جولة «عكاظ» الميدانية في عدد من أحياء جدة وشوارعها التي استمرت لمدة أسبوع، صحة ما يتداوله الناس في مجالسهم الخاصة عن سائقي «الأجرة» والمشكلات التي يواجهها الزبائن معهم، خصوصا إذا علمنا أنهم يأتون من بيئات مختلفة ومنهم متقاعدون وآخرون يحملون شهادات جامعية، قذفت بهم الظروف المعيشية الصعبة للعمل في هذا المجال، هنا حصيلة الجولة والتي تم من خلالها الكثير من المخالفات والحكايات والمواقف الطريفة والمخجلة: نقطة الانطلاق من مقر المؤسسة في حي الرحاب كانت نقطة الانطلاق في البحث عن تاكسي «ليموزين»، وطال الانتظار تحت أشعة الشمس لعشر دقائق حتى كان أول سائق من الجنسية العربية في الخمسين يدعى «أبو محمد». طلبنا منه أن يقلنا إلى مركز تجاري في حي الفيصلية، لم يدم الحديث طويلا حول الأجرة، فعن الأعوام التي أمضاها كسائق أجرة عامة، قال في حزن ظاهر: كلها أعوام شقاء وتعب «خلوها على ربنا»، ثم بدأ يتحدث عن حياته الخاصة دون الحديث معه، فقال: أعمل من السادسة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا، وأعول ثمانية أبناء وراتبي في ظل ارتفاع الأسعار لا يفي بمتطلبات حياتي وأسرتي. وظل يتحدث عن المشكلات التي يواجهها مع الزبائن، قائلا: البعض للأسف لا يعطيني أجرتي كاملة، وعلى وجه الخصوص السيدات. عند الوصول إلى المركز التجاري، قال عن الأجرة «راضِي بأي مبلغ»!. طلب الركوب أمام المركز التجاري كانت هناك عدة سيارات أجرة تقف في طابور، تنتظر الزبائن من رواد السوق، وعند الخروج من المركز، تعالت أصوات سائقي سيارات الأجرة، وهم يطلبون الركوب معهم. هذه المرة كان المشوار مع سائق آسيوي، طلبنا أن يقلنا إلى الشارع العام الذي يبعد عن المركز التجاري بعشر دقائق، وأثناء الطريق كان هادئا ومتحفظا عن الحديث، ما دعانا سؤاله فيما إذا كان باستطاعته إيصالنا في اليوم التالي إلى مقهى في شارع التحلية، من هنا بدأ يتحدث عن حياته الخاصة، وعن الفتيات اللاتي يوصلهن إلى المقاهي، وقال: أعمل من السابعة صباحا وحتى الثانية عشرة ليلا، وأستطيع أن أوصلكما إلى أي مكان، فإن أردتما الحصول على أشرطة إباحية، أستطيع أن أدلكما على المكان، وعندما ردد هذه الجملة مرتين، كان أمامنا محلا لبيع المواد الغذائية، طلبنا منه أن يتوقف، فطلب أجرة مبالغ بها مقابل المشوار. مشوار بخمسين من شارع الكورنيش إلى كلية دار الحكمة، كانت سيارة الأجرة كان المشوار هذه المرة مع مواطن شاب في الثلاثين من عمره، أوصلنا السائق، ولم يبدر منه أي تصرف غير لائق، وبسؤاله عن الأجرة، قال ضاحكاً: خمسين ريال بعد التخفيض!. مهنة لكسب الرزق إلى حي مشرفة مع مواطن عمره (50 عاماً) يعول أسرة بأكملها، قال بعد أن علم أننا نريد مقهى «لا أوصل أي فتاة إلى أماكن مشبوهة»، ودار حديث معه لقتل المسافة وبعد المشوار، وعن مواقفه مع الزبائن قال: سيارتي عادة ما تكون مسرحا لنقاشات خاصة، ومشاجرة كلامية أحيانا، ومع الوصول إلى الموقع المطلوب، رفض أن يأخذ أي أجرة، وبعد الإصرار عليه طلب أقل مما كنا نتوقع. مريضة بالربو سائق آسيوي ادعت إحدانا إصابتها بمرض الربو، طلبنا منه التوجه إلى المستشفى، فطلب 15 ريالا عن أجرة المشوار، إلا أنه توقف وأنزلنا في عرض الشارع، بعد إعطاءه 10 ريالات، وقال غاضبا: «لا أريد أن أوصلكما إلى المستشفى طالما لم تدفعا المبلغ المطلوب». خطة البطيخ كانت الخطة أن تحمل إحدانا بطيخا مع سائق من الجنسية الآسيوية، طلبنا منه أن يحمل البطيخ ويضعه في المقعد الخلفي من السيارة، وبعصبية حملها ووضعها في مؤخرة السيارة، وبسبب عصبيته، لم نستطع إكمال باقي المشوار، وبعد دفع الأجرة، والمشكلة أن عصبيته تفاقمت عندما طلبنا منه إخراج البطيخ، وقال: «مهمتي توصيل الزبائن لا الأغراض، كما أن هذا البطيخ ليس ثقيلا عليكما»!. أما السيارة الأخرى فكانت رائحتها كريهة، لم نستطع أن نكمل مع السائق المشوار، ولكن لحرارة الشمس، والازدحام اضطررنا أن نركب معه ليوصلنا إلى مطعم مقابل مركز تجاري في حي الفيصلية، وطلب أجرة أكثر ما توقعنا. مضايقات السائقين الموقف الآخرعندما واجهتنا مضايقات في طريق المدينة من بعض السائقين وأصحاب السيارات من فئة الشباب، فقال أحدهم: إن كنتما هاربتين سأوصلكما إلى أي مكان، فيما قال الآخر: «أقل أجرة إلى أي مكان تريدان»، ما دعانا إلى الركوب مع سائق وافد. من المواقف التي لا تنسى بعد السير مشيا لمسافات طويلة للبحث عن سائق أجرة، كان مواطن كبير السن طلب الركوب معه، وبإصرار قال: اركبا سأوصلكما إلى أي مكان، وفعلا أوصلنا دون أن يطلب منا الأجرة. في شارع الكورنيش أمام فندق خمس نجوم كانت سيارة أجرة تنتظر الزبائن كالعادة، ركبنا مع سائقها، وكانت هذه المرة من الجنسية العربية، طلبنا منه الاتجاة إلى حي الرحاب، وأثناء ذلك كان يحاول التحدث معنا عن حياته الخاصة وعائلته، وعندما لم يجد أي تجاوب ظل صامتا، ووسط الطريق، سألناه عن الأجرة، رد «أقل من المبلغ الذي أريد لن أقبل»، ورغم عدم تشغيل العداد إلا أننا لم نستطع رفض طلبه من باب الخوف منه حتى لا يتركنا في حي مشرفة المزدحم بالعمالة الوافدة. استغلال واضح أما السائق الآخر، فطلبنا منه التوجه من حي البوادي إلى جامعة الملك عبد العزيز، بحجة أننا فقدنا أختنا الصغيرة هناك، ما جعهله وبكل وضوح يستغلنا ماديا، وقال: نظرا للازدحام الشديد سأوصلكما شريطة أن تدفعا لي 30 ريالا. إلى مركز لبيع الجوالات في شارع التحلية حيث انتظرنا لمدة خمس دقائق تحت أشعة الشمس، ركبنا مع سائق من الجنسية الآسيوية يدعى محمد خان في الثلاثين من عمره، بدأ الحديث معه حول رأيه في مدينة جدة، فرد قائلا: أعجبتني هذه المدينة بجمالها وتطورها وعمرانها، ولكن أهلها على خلاف ذلك، وكأنه يقول: إن الجمال لا يكتمل في كل شيء. وأضاف عن المواقف التي واجهته: تعرضت للسرقة من قبل مراهقين لا تتجاوز أعمارهم 18 عاما، حيث وجدت خمسة فتيان في الطريق، طلبوا مني أن أوصلهم لحي الصفا، وبعد أن أوصلتهم إلى هناك، رفضوا أن يدفعوا المبلغ ولم يكتفوا بذلك، بل سلبوا ما بحوزتي، توجهت بعدها لمركز الشرطة، وبدأت أبحث عنهم لوحدي في الشارع إلى أن وجدتهم وتم القبض عليهم. معاكسات نهارا في شارع رئيس كنا ننتظر عبور سيارة أجرة، وما هي دقائق إلا وبدأت المضايقات والمعاكسات، من مختلف أنواع السيارات، وتكررت عبارات «اركبي، أوصلك»، بينما يقول الآخر «أطلعي السيارة، آخذك معي، عازمك في أفخم المقاهي»، وغيرها من العبارات. وفي موقف آخر مع سائق سيارة أجرة، رجل في الخمسين يكسو البياض شعره ولحيته ويدعى أنعام، يعمل في المملكة منذ 10 أعوام، ركبنا معه ونظرا للازدحام وطول المسافة إلى حي غليل جنوبجدة استغرق المشوار 55 دقيقة لنصل إلى هناك، وكانت الساعة تقارب الواحدة ظهرا وقت الذروة في شوارع جدة، في هذا الأثناء بدأت الأحاديث المتنوعة معه عن الزحام، وأسباب عدم توقف كثير من السائقين لنقلنا إلى الحي، فقال: بعض السائقين يتعرضون للسرقة والتهجم من قبل بعض الراكبين المتجهين إلى هناك، حيث يرفضون دفع الأجرة، في حين أن البعض قد يسرق السيارة ويأخذها «للتشليح». وبدأ يسألنا بعدها عن أسمائنا وجنسياتنا وإن كنا متزوجات أم لا، قلنا له إننا مواطنات، وما زلنا طالبات في الجامعة ونريد زيارة خالتنا التي تسكن الحي، فطلب أرقام هواتفنا المحمولة وإعطائه فقط رنة واحدة، وهو سوف يتصل على الفور إن احتجناه، حينها استغربنا حديثه، وعندما سألناه عن السبب، برر بكلام غير مقنع، وبعدها طلب أن نكشف وجهنا أمامه ليبدي رأيه إن كن جميلات أم لا؟، ولم يكتف بنظرات عينيه التي اخترقت المرآة، ولم يتوقف عن التلميح والحديث في مواضيع حساسة، وزاد: الزواج من الأجنبي أفضل من المواطن، فالمواطنون حسب كلامه لا يقدرون زوجاتهم ولا يفهمون احتياجات المرأة. وعن قيمة المشوار قال بأنه يقبل بأي مبلغ نقدمه، حتى ولو لم ندفع شيئا بشرط الاتصال به، وبعد النزول من سيارته لم يتحرك بل أخذ يلاحقنا بنظراته من بعيد حتى دخلنا الحي. مضايقات التحلية كان المشوار هذه المرة إلى شارع حراء، وهنا تكررت كالعادة المضايقات في شارع التحلية، إلى أن وجدنا سائق أجرة يمني الجنسية في الثلاثينات، يدعى محمد عبدالله اشترط في البداية تسليمه مقدما قيمة المشوار، فوافقنا وركبنا معه، وما أن سألناه عن موطنه، إلا وبدأ في الحديث عن طبيعة اليمن وجمال مناظرها. وعند مركز تجاري في شارع حراء توقفنا لنكمل المشوار، حيث ركبنا مع سائق أجرة سعودي يدعى نواف عمره لا يتجاوز الثلاثين، توجهنا معه لصالون نسائي في نفس الشارع، لم تكن المسافة بعيدة لنتحدث معه طويلا، فقد أخبرنا أن بإمكاننا الاتصال به إن أردنا الخروج مرة أخرى، وأعطانا رقم هاتفه الخاص، وما إن دخلنا الصالون النسائي حتى تلقينا رسالة نصية مكتوب فيها «والله إني ارتحت لك، وحبيت أتكلم معك،...» وكانت مكتوبة بلغة ركيكة، فقد كانت الرسالة من سائق التاكسي ذاته. الكشف عن الهوية أردنا أن نكشف عن هويتنا الحقيقية، وبالرجوع مرة أخرى إلى المركز التجاري المعروف في حي الفيصلية، كانت سيارات الأجرة كالعادة أمام البوابة، تجمهر حولنا بعض السائقين، للحديث عن شكاواهم مع الصحافة، فتحدث الشاب نزار سويلم عن المشكلات التي تواجههم، قائلا: بعض الزبائن لا يدفعون الأجرة، والمجتمع لا يتقبل حتى الآن عمل المواطن في مجال التاكسي، ولكن الظروف المعيشية الصعبة دفعتنا للعمل». وقال حسام محمد إقبال من الجنسية الباكستانية: البعض لا يدفع الأجرة كاملة، ولا يقدر التعب الذي نواجهه، فنحن نعمل ليل نهار لنعول أسرا بأكملها. أما المواطن محمد علي الذي يعمل سائق تاكسي منذ سبعة أعوام، فقد تحدث عن أصعب المواقف التي مرت عليه أثناء عمله قائلا: طلب مني شابان إيصالهما إلى منطقة في جنوبجدة شبه خالية من السكان، وأثناء الطريق طلبا مني المبلغ الموجود في المحفظة، وعندما رفضت أخذ الرجل الذي خلفي في خنقي، أما الذي بجانبي فقد سرق هاتفي وسلب ما بحوزتي، حينها لم أستطع أن أفعل شيئا. تنظيم وتحديث نائب رئيس لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في مجلس الشورى في الرياض الدكتور سعد السعدون أكد على ضرورة الاهتمام بسيارات الأجرة وتنظيمها وتحديثها، لافتا أن الهيئة العامة للسياحة والآثار مهتمة بتثقيف السائقين وكيفية تعاملهم مع الركاب، بالإضافة إلى أن لدى وزارة النقل والمواصلات استراتيجيات في هذا الخصوص. وأضاف «ما لا شك فيه أن سيارات الأجرة بنظافتها وجاهزيتها للتنقل من مكان لآخر، تعد مظهرا من مظاهر التقدم والتطور من خلال السائق الذي يعمل كواجهة للمجتمع في المطارات وأماكن تنقل السائحين والزوار». من جهة أخرى قال العقيد مسفر الجعيد المتحدث الإعلامي لشرطة جدة «لم نتلق بلاغات عن حالات التحرش والمضايقات التي يتعرض لها بعض راكبي سيارات الأجرة من قبل السائقين». وأضاف «لكن هناك بعض السرقات التي يتعرض لها سائقو سيارات الأجرة، وهي حالات بسيطة وتمت السيطرة عليها، لمجموعة من صغار السن كانوا يشكلون مجموعات للسرقة، واستطعنا بعد ضبطهم والتحقيق معهم إرسال صغار السن لدار الأحداث التابعة للرعاية الاجتماعية، وتحيل الآخرين للسجن العام، ولا أستطيع إعطاءك أي إحصائية، أو نسبة لعدد الحالات التي تعرضت للسرقة».