لا أستطيع أن أقول أنني عرفت إباء عبد المقصود محمد سعيد خوجة (يرحمه الله)، ولا أستطيع القول أنني أعرف والده ولا أنني عرفت جده يرحمه الله، ولكن أكتب هذه الكلمات وفاء لوالدي يرحمه الله، الذي عرف الشيخ عبد المقصود، وعرف جده حق المعرفة، وهو الذي عرفني بالشيخ عبد المقصود وجعلني أعتاد على حضور اثنينيته، حيث كان يصطحبني معه كلما ذهب للاثنينية في بيت الشيخ عبد المقصود القديم، وكان مقدم الاثنينية آنذك الدكتور حسين نجار، وأول اثنينية حضرتها كانت للشيخ العالم طاهر زمخشري يرحمه الله، وحدثني والدي الكثير عن الراحل الشاعر الأديب العالم الشيخ محمد سعيد خوجة. وما جعلني أخط هذه الكلمات من الرثاء عن الابن، إذا سمح لي والده أن أسميه الابن الراحل إباء، هي صورته التي نشرت في هذه الجريدة ليوم الخميس، فكانت الصورة تعبر عن ألف كلمة؛ لأنها كانت تقول لكل من رآها ها أنا إباء في هيبة ابن وسيم ورضي وبار في أمي وأبي وسعيد، مثقف ومتعلم. كل هذه الصفات تحدثت بها صورته في الجريدة. عرفت الابن إباء منذ ثلاثة أسابيع قبل وفاته، وكانت لي الفرصة أن أتحدث مع إباء لمدة دقائق فقط ومن هذه الدقائق عرفت الابن إباء. وقليل منا يعرف معنى اسم «إباء» فهذا الاسم نادر. كلمة إباء في اللغة العربية تعني النزاهة. جاء في لسان العرب: والإِباءُ أَشدُّ الامتناع. وقول الشاعر: رجا الأبوان لك العزة والكرامة فسموك إباء. واسمك يا إباء يوحي بالترفع عما يشين، والتحلي بما يزين. أما بعض اللغويين يقولون إن كلمة إباء تعني الترفع عما يشين، وكراهية لكل ما فيه إهانة وإذلال. ومن أجمل ما يعبر عن حزن الأب على ابنه فقد رواه ابن الرومي وهو يرثي ابنه فقال: بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي. وقد جاء عن الترمذي في سننه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك وأسترجع. فيقول الله تعالى: أبنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه «بيت الحمد». فلك بيت الحمد يا أبا إباء إن شاء الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.