وقع الموت على النفوس أليم، وحكمة الله اقتضت أن يتجرع مرارته الجميع، والأبناء الذين جعلهم الله زينة الحياة الدنيا، هم من أشد من تقع وطأة موتهم على الوالدين، ولذلك جاء في حق من مر عليهم هذا الأمر المفزع حديث شريف أخرجه الإمام الترمذي عن حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: دفنت ابني سناناً ، وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان؟ قلت بلى قال: حدثني الضحاك بن عبدالرحمن عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول سبحانه: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون : نعم، فيقول سبحانه وهو أعلم: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد ، ولقد اهتمت المكتبة الإسلامية قديما بهذا الأمر الجلل، فوجدنا على سبيل المثال أن أبرز من ألف في موضوع موت الولد، الشيخ أبو حفص عمر الحلبي وسماه : (تبريد حرارة الأكباد في الصبر على فقد الأولاد) وابن ناصر الدمشقي في كتابه (برد الأكباد عند فقد الأولاد) والسيوطي في (الجنة والنار وفقد الأولاد) وابن الجوزي في (لفتة الكبد عن فقد الولد). ومن ذلك روايتهم أن حسان بن كريب كان لهم غلام منهم توفى بحمص ، فوجد عليه أبوه أشد الوجد - حزن عليه أشد الحزن - فقال له حوشب : صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ليسليه ويخفف عنه ألم فقدان ابنه: ألا أخبرك ما سمعت من قول النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ابنك؟ : أن رجلاً من أصحابه كان له ابن قد أدرك، فكان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه ، ثم توفي فوجد عليه أبوه قريباً من ستة أيام، لا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام: مالي لا أرى فلاناً؟ قالوا: يارسول الله ان ابنه توفي فوجد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم لما رآه: أتحب أن ابنك الآن كأنشط الصبيان وأكيسه ، أتحب أن ابنك لو أنه عندنا الله كهلاً ، كأفضل الكهول وأسراه؟ أو يقال لك: ادخل الجنة بثواب ما أخذناه منك ، أخرجه أبو نعيم. موارة الابن إباء عبدالمقصود خوجة فى مثواه الأخير السبت الماضي بجوار أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة أمر أثر في كل من عرفه وخالطه، والمصاب في موته جلل، والحزن عميق ، فقد عرفته على مقاعد الدراسة جاداً مهذباً، وعرفه زملاؤه وفياً مؤدباً، وعرفه كثيرون بأكثر من ذلك ، وعزاؤنا الكبير لوالديه الكريمين وأخواته واخوانه وسائر أهله وأحبابه في فقده أنه انتقل إلى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين جل وعلا، فاللهم اكتبه عندك في المحسنين ، واجعل كتابه في عليين ، واخلفه في الغابرين.