سأحدثكم عن إباء الذي رحل مع خاتمة قصائد الشتاء، وافتقدته بواكير الصيف، والعصافير الآيبة، ومساءات جدة الثكلى. سأحدثكم عن إباء الشهي كرائحة الصنوبر، الندي كرذاذ سحب الفجر، الوديع كغروب غاص في الأفقِ خفرا وحياء. سأحدثكم عن أميري، عن نجيي، عن سميري، عن فرح بلادنا الذي ركض خلف فراشته، وهرب من كراسة التفقد في ذلك المساء، ومضى يداعب الريح لتسرقه، وتخبئه بعيدا عن عيني. سأحكي لكم عن طفل كان يحبو في غرفة الجلوس، يهز البيت بدوي صبيناته، يعابثنا، يشاجرنا، ويستنفر فينا حبا وشغفا. سأبوح لكم بأحلامه الصغيرات التي كان يرسمها على وسادته قبل أن ينام. سأفشي لكم ضحكاته التي حملتها يمامات مهاجرات. سأقص عليكم حكاية حبه للمملكة؛ لمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة. سأروي لكم عمن أحبهم وبكوه. عن الشجيرات التي ذبلت، والنراجس التي شحبت، والنوارس التي كفت عن هجرتها. عن الأزاهير الدامعة التي كانت تصبح عليه، عن العصافير التي كانت تشدو له، وإليه. عن أترابه الذاهلين، وأصدقائه الواجمين، وأشقائه الملتاعين، ووطنه المفجوع. أبكرت عنا الرحيل يا إباء، يا من غادرت عند أعتاب الفرح، وتركت القلب مكشوفا، وضيعت علينا طيبك وفوحك، وبخلت علينا بشذاك، وصيرت دموعنا أنهارا. أبكرت عنا الرحيل، يا من مضيت كطير أو سحابة. يا من كنت وردة وسطرا جميلا في كتابة. أبكرت عنا الرحيل يا لهفة المشتاق، وبسمة الأطفال، وكلمة الحق. أبكرت عنا الرحيل يا قطرة الغيث في عالم شح فيه المطر. يانسمة الريح في قيظ هذا العالم. يا موجة البحر التي تحمل السفين إلى بر السلامة. أبكرت عنا الرحيل. أودعك بني إلى من بسط الأرض ورفع السماء فانعم هناك، بإذن الله ومشيئته. أمك من هي لك ميلينه والدة إباء عبد المقصود خوجة