يتوهج الشعر الرائع في صوت المغني الرائع كما يتوهج البريق في الألماس.. إن الألماسة الأصيلة كتلة واحدة بديعة بشكلها وبريقها ورائعة من كل جوانبها.. كذلك الأغنية الأصيلة يمتزج فيها رائع الشعر مع رائق الصوت مع فائق اللحن فتصبح تمثالاً من الجمال لها شخصية مستقلة متكاملة، فلا تستطيع ان تفصل الشعر عن الصوت واللحن أو العكس.. إنك أمام مزيج مخلوط من الإبداع يشبه مزيجاً مخلوطاً من روائع العطور. ويمنحك هذا المزيج الراقي شعوراً مختلفاً عن شعورك حين كنت تقرأ القصيدة قبل ان تلحن وتغنى بأعذب الأصوات. وبالتالي فهي - الأغنية الرائعة - فن مستقل عن الشعر والموسيقى والصوت منفردين، فن متكامل وله شخصية جديدة مختلفة تماماً عن قراءة الشعر وحده. ومن خلال المتابعة يتضح ان الأصوات الجميلة تميل إلى الشعر الجميل وتلتصق باللحن الأصيل، أما الأصوات النشاز فتختار أبشع الكلمات وأكثر الألحان ازعاجاً وتصدر روائح كريهة تؤذي الذوق السليم وتخدش الاحساس المرهف. أم كلثوم من أقوى الأصوات وأرقاها، فلمن غنت؟ لأرقى الشعراء: شوقي وناجي ورامي وأبي فراس وعبدالله الفيصل.. أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني وأنت مناي أجمعها مشت بي اليك خطى الشباب المطمئن يكذب فيك كل الناس قلبي وتسمع فيك كل الناس أذني وكم طافت عليّ ظلال شك اقضت مضجعي واستبعدتني كأني طاف بي ركب الليالي يحدث عنك في الدنيا وعني على أنّي أغالط فيك سمعي وتبصر فيك غير الشك عيني وما أنا بالمصدق فيك قولاً ولكني شقيت بحسن ظني وبي مما يساورني كثير من الشجن المؤرق.. لا تدعني تُعَذَّب في لهيب الشك روحي وتشقى بالظنون وبالتمني أجبني إذ سألتك: هل صحيح حديث الناس خنتَ؟ ألم تحني؟ فيروز بصوتها العذب الصافي الذي يملأ الخلايا والحنايا ويبحر بالخيال إلى جزر الجمال، اختارت أعذب الأشعار من الموشحات الأندلسية لإبداع الرحابنة وجبران والأخطل الصغير: يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا من بسمة النجم همس في قصائده ومن مخالسة الظبي الذي سنحا قلب تمرس باللذات وهو فتى كبرعم لمسته الريح فانفتحا ما للأقاحية السمراء قد صرفت عنا هواها؟ أرقُّ الحسن ما سمحا لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن لكنتِ ارفقَ من آسى ومن صفحا غداة لوحتِ بالآمال باسمةً لانَ الذي ثار وانقادَ الذي جمحا فالروض مهما زهت قفر إذا حُرمت من جانح رف أو من صادح صدحا نجاة الصوت الذي يذوب غراماً وخفراً وأنوثة غنت لكامل الشناوي وسعاد الصباح ونزار: حبيبتي؟ هل أنا حقاً حبيبتُه وهل أصدِّق بعد الهجر دعواه؟ أما انتهت من سنين قصتي معه ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟ أما كسرنا كؤوس الحب من زمن فكيف نبكي على كأس كسرناه؟ ربَّاه أشياؤه الصغرى تعذبني فكيف أنجو من الأشياء رباه؟ مالي أحدق في المرآة اسألها بأي ثوب من الأثواب القاه؟ محمد عبده مال إلى أجمل الأشعار من روائع محمد السديري وخالد الفيصل وبدر السياب.. ويكاد يبقى الآن في ساحة الذوق والجمال وحيداً.. أو كالوحيد.. بعد ان صمتت - في هذا الزمن - أصوات البلابل والعصافير ونعقت البوم والغربان.