بغض النظر عن مدى النتيجة التي يمكن أن تتحقق من النهج الجديد الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم في تقييم المتقدمين للوظائف التعليمية بالاهتمام بمعرفة توجهاتهم الفكرية بهدف تحييد ما كان منها متشددا وميالا للغلو والتطرف وغير مؤمن بقيم التسامح والتعايش والحوار وكون اختلاف الآراء والأفكار أمرا طبيعيا في المجتمع البشري، أقول بغض النظر عما سيتحقق من هذا النهج بآليته الحالية، فإن الأهم أنه يمثل اعترافا صريحا بوجود المشكلة في المؤسسة التعليمية، وأنه لم يعد ممكنا المكابرة بنفيها أو التقليل من خطورتها، وبهذا فإن الوزارة ترد بشكل عملي على كل الذين تصيبهم لوثة عندما يتحدث أحد عن ضرورة تنقية التعليم من الشوائب التي تخالطه، رافعين أصواتهم بأقسى الاتهامات لعملاء الغرب الذين يسعون لتقويض تعليمنا النقي البريء من كل شائبة. بعد هذه التوجه للوزارة نرجو من هؤلاء أن يهدؤوا قليلا ويرحموا حبالهم الصوتية، ويتأكدوا أنه لولا كون الخطورة حقيقية لما فعلت الوزارة ذلك. المشكلة ليست في العدد القليل الذي قد يستبعد من المقابلة حين يكون تطرفه لا يمكن إخفاؤه أو حين تكون سذاجته أكبر من قدرته على التمويه، المشكلة في الغالبية التي ستتجاوز المقابلات والتقييم وتلتحق بالتعليم .. هؤلاء سوف يلتحقون بمؤسسة عريقة صار لها قادة ومستويات وصفوف تعرف مهامها جيدا، ولها من الخبرة ما يجعلها ماهرة في أساليب تسويق بطاقات العضوية، ومن النفوذ ما يجعلها قادرة على الاستقطاب.. المعلمون الجدد سوف يدخلون بيئة معقدة لها حراسها الأشداء الذين يجيدون حمايتها ولا يرحبون بالمكوث فيها إلا لمن يتمثل أدبياتها ويطبق قوانينها وإلا سيكون عرضة للتهميش والإقصاء، أما إذا حاول أن يبدي فكرا مختلفا أو يناقش أو يعترض فعاقبته أو عقابه أسوأ. وبالتالي طالما الوزارة اعترفت أخيرا بالمشكلة وأدركت حتمية تداركها، فإن عليها إذا أرادت فعلا تخليص التعليم من متاعبه أن تتسلح بالعزيمة وتبدأ حملة إصلاحية تصحيحية لاستئصال مراكز القوى في كل مرافقها، وإلا فلن تتحقق نتيجة ملموسة من كل الإجراءات الاستباقية. [email protected]