وصف الداعية الدكتور عوض بن محمد القرني وضع اسمه في قائمة المتورطين في غسل الأموال لصالح جماعة الإخوان بأنها مؤامرة صهيونية مباشرة، وأن الاتهام كان مخططا له من قبل. ودحض القرني في حوار مع «عكاظ» الاتهامات الموجهة إليه، مشيرا إلى أن الموكلين بالقضية وقعوا في سوء إخراجها، ما يدل على سذاجة الممثلين. وكشف القرني عن اتهامات أخرى يوجهها إليه بعض المتدينين المتشددين والمتطرفين، موضحا أنه لا يبالي بما يكتبونه عنه في مواقع الإنترنت، مشيرا إلى محاولة المتشددين في إيذائه وعدد من الدعاة أمثال الدكتور سلمان العودة وعايض القرني وغيرهما، لم تقف عند حد معين بل وصلت إلى كتابة تقرير عن الدكتور عايض وشاية به قدم إلى هيئة كبار العلماء. وأفصح القرني؛ أن التغيير مطلب مهم في ظل تجدد المفاهيم وأن الجمود أمر مرفوض لا ينبغي أن يكون عليه طالب العلم، موضحا أن التراجع عن الخطأ من سمات العلماء الراسخين والدعاة المعتبرين. ودعا القرني العلماء إلى التوسط في الأخذ بقاعدة سد الذرائع، مبينا أن التوسع المجرد فيها أمر غير مقبول شرعا، محذرا في الوقت نفسه من دعوات التجديد التي يراد منها تمرير الباطل بغطاء شرعي. وأوضح أن اختلاف البيئة والظروف أسهمتا في إحداث الفرق بين خطابه وابن عمه عايض القرني، في إشارة منه إلى استحالة تشابه شخصين في رأي وفكر واتجاه واحد. ونفى الداعية القرني أن يكون تطرف الشباب من نتاج الصحوة، مرجعا ذلك إلى أسباب أخرى أسهمت بشكل مباشر في الزج بهم في متاهات التطرف، لكنه لم يبرئها من الخطأ، موضحا أنه لابد من وقوع الخطأ في أي مجموعة تتكون من آلاف الأشخاص، مشيرا إلى أن نتاج الصحوة الفعلي 100 فضائية إسلامية ومكتبات إسلامية منتشرة.. إلى التفاصيل: غسل الأموال • بم تفسر إيراد اسمك في قائمة المتورطين في غسل الأموال لصالح جماعة الإخوان؟ ليس للأمر سوى تفسير واحد، هو أن القضية منشؤها في الأصل من الأجهزة الأمنية الصهيونية، أما ما أشيع بعد ذلك في مصر فهو مجرد تنفيذ لما تم تخطيطه من قبل، ونحن نعلم أن الأجهزة الأمنية الصهيونية اخترقت المنطقة العربية وبالذات الدول التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، حتى أن بعض هذه الدول أصبحت تدافع عن المشروع الصهيوني بأكثر مما يدافع عنه الصهاينة أنفسهم. هي مؤامرة صهيونية مباشرة؛ بدليل أن القاسم المشترك بين المذكورين في القائمة دعم الشعب الفلسطيني خلال حرب غزة وحصارها، قبل وبعد الحرب. وما يجعل الاتهام هزيلا هو أني لم أسمع ببعض الأسماء المذكورة في القائمة قبل أن تتهم، وليست لدي علاقة مع أخي وجدي غنيم ولم يسبق لي أن التقيت به أو تحدثت معه هاتفيا، ولكن من أوكلوا بالقضية نفذوها بطريقة ساذجة ينكشف أمرها منذ الوهلة الأولى. تفنيد الاتهامات • هل يكفي السبب المذكور آنفا لتفنيد الاتهامات ضدك؟ العمل الذي زعموا أني تورطت به لا يمكن إخفاؤه، وذكروا في ثنايا الاتهام أننا جمعنا الأموال في مؤتمرات وبعضها في مساجد بريطانيا مع أني لم أدخل بريطانيا في حياتي إطلاقا. كما أنه لم يسبق لي في حياتي أن حولت ريالا أو جنيها واحدا إلى مصر، وذكروا أيضا أن التحويل تم بعملة الجنيه الإسترليني، مع أنني لم أتملك من هذه العملة جنيها واحدا في حياتي ولم يسبق لي أن رأيتها بعيني، لكن تخبطهم في الاسم يدحض اتهامهم. • ولم المؤامرة بالتحديد، ألا يكون تشويشا فقط؟ أعتقد أن السبب هو الغباء؛ فقبل عدة أشهر كانوا يتحدثون عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فذكروا عائض بن محمد القرني ثم اكتشفوا خطأهم وعدلوا الاسم إلى عوض، وبعد أسبوعين قالوا إن التهمة غير موجودة لعدم وجود أدلة. الذي يظهر لي بقاء النسخة الأولى عند المدعي العام والتي خرجت لوسائل الإعلام عند الاتهام، وبناء عليها أطلقت الاتهامات، ولم يتابع تصحيح الاسم. كما أن الاسم لم يصل إلى المدعي العام لمحكمة أمن الدولة العليا في مصر، وكل هذا يدل على سوء الإخراج وسذاجة الممثلين. • هل أبلغت الجهات المسؤولة في المملكة أو تم إخطارك بشيء ما بهذا الخصوص؟ لم أتحدث مع أحد ولم يبلغوني بشيء، وأظن أن القضية من الانكشاف والهزال بما يجعل المسؤولين غير معنيين بها ويجعلني غير مهتما بها لولا أن وسائل الإعلام نشرتها واتصلت بي. المنهج السابق • هل عوض القرني اليوم هو نفسه مؤلف (الحداثة في تاريخ الإسلام) في وقت سابق، أم أنه تغير؟ لو عاد بي الزمن لكتبت الكتاب مرة أخرى بأطول مما هو عليه الآن، وربما كان أكثر عمقاً، أو كتاباً نخبوياً لا جماهيرياً، أما محتوى الكتاب فلم يتغير رأيي عما فيه ولم يتبدل. • ما الذي كان سيتغير؟ هل أفكار معينة رأيت فيها تسرعا؟ لم يكن ليتغير شيء في الكتاب، ولكن كانت ستضاف إليه فصول أخرى، تجعل تناول المواضيع أكثر عمقاً مما هو عليه، شاملة الجوانب الفلسفية في الحداثة ومدارسها وما يتعلق بها. • إذن أنت تقر بالفرق بين الفترة الحالية والسابقة؟ من الطبيعي أن يتغير الإنسان ويتبدل ويتطور ولا يمكن للإنسان أن يكون كائناً جامداً غير متطور. إذا كان التغيير هو زيادة علم ونضوج وخبرة وتجربة في إطار مرجعيته وثوابته فهذا أمر إيجابي، كما لا يصح للإنسان العاقل أن يتأفف أو يتضجر منه. • هل يعني ذلك إدراكك الوقوع في الخطأ سابقا وضرورة التصحيح؟ يقينا؛ فإن الإنسان يخطئ ويصحح، والنبي عليه الصلاة والسلام الذي يتنزل عليه الوحي كان يقول (لو استقبلت من أمري ما استدبرت)، حتى في أمور تعبدية، فمن الطبيعي أن يحصل الخطأ وينبغي ألا ننكره. الرجوع عن الاجتهاد • هل تعتبر أن الرجوع عن الاجتهاد السابق هو إقرار بالخطأ أم أن العصر الحالي يقتضي التغيير؟ الصورة بطبيعة الحال ليست واحدة؛ لأن الاجتهاد إذا كان بعد بحث واستقصاء وفق آلية معينة، فإن الخطأ لا يضير المجتهد في هذه الحالة وهو مثاب من الله تعالى، فإذا اجتهد وأصاب له أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، هذا إذا بذل الجهد وكان يمتلك الوسائل والأدوات، بمعنى أنه استفرغ الوسع وكان يمتلك الوسائل والأدوات، وهذا الجانب الأول. والجانب الآخر يكون إذا تغيرت معطيات القضية، فلا بد أن يتغير النظر والحكم فيها إذا ظهرت معلومات جديدة تترتب عليها نتائج لم تكن في حسبانه حينها. النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عندما قال لعائشة رضي الله عنها (لولا أن قومك حديثو عهد بالكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)، فترك هذا العمل مراعاة للنتائج التي ستترتب عليه. الخوف من التراجع • يلاحظ في الساحة الشرعية الخوف من إظهار التراجع مع أن علماء السلف كانوا جريئين في ذلك؟ لا أظن أن الدعاة المعتبرين والعلماء الراسخين يخشون من ذلك، كما أنه لا ينبغي على الإنسان الذي يحترم نفسه وعلمه ويتقي ربه أن يأنف من إظهار التراجع. اتهمت بالتغيير وتعرضت للهجوم مع عدد من الدعاة أمثال الدكتور عايض القرني وسلمان العودة من قبل بعض المناوئين أو المتشددين من المتدينين. عوض وعايض • على الرغم من صلة القرابة التي تربطك بالدكتور عايض القرني إلا أن المشاهد الاختلاف الواضح بين خطابكما، إلام تعزو ذلك؟ هذا أمر طبيعي، وكما قلت من قبل أنه لا يوجد إنسان نسخة كربونية لآخر، طبيعة وطريقة التفكير والظروف التي وجد فيها المرء واستجابته وقراءته لها أمر محتوم. الصحابة رضي الله عنهم وهم الذين اعتنقوا الإسلام على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأوا في كنفه وتعلموا منه واستمعوا إليه وعاشوا في ظروف واحدة، كان بينهم هذا الاختلاف. لو أخذنا أفضل رجلين بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما نجد أن لكل منهما شخصية مختلفة عن الآخر، لكن نجد الاتفاق في الأصول والثوابت والأهداف والغايات. لكن كل منهما ينظر من زاويته الخاصة وحسب قدراته ومواهبه فكل ميسر لما خلق له، انظر لهذا التنوع والتباين في طبائع الدعاة على أنه رحمة من الله تعالى وأنه تكامل وليس تناقض. هجوم المتشددين • ذكرت أن التغيير جعلك تعاني وزملاؤك الدعاة من طرفين، كيف كان ذلك؟ هذا يحدث باستمرار، وكثير من المتشددين جهلة وليسوا طلبة علم لكنهم تشربوا التشدد، فيكتبون في مواقع الإنترنت للنيل من الدعاة. قدموا تقارير عن الدكتور عايض القرني إلى هيئة كبار العلماء يتهمونه فيها بأمور عديدة، كما أنه لا يمر أسبوعان دون أن تطلق علي التهم في مواقع الإنترنت والصحف. • هل كل ذلك لأنك تراجعت واتبعت الحق؟ لا أزعم لنفسي عصمة، لكن من الطبيعي أن يوجد حاسدون وشانئون لكل من تصدى للشأن العام وبرز وكان له تلاميذ وأثر، ولا ألتفت لهذا كثيرا. • يلاحظ في الساحة الشرعية الرفض القاطع للآراء الفقهية الجديدة، إضافة إلى شخصنة القضايا أثناء السجال العلمي حولها، ما مبرر ذلك؟ من طبيعة الناس أنهم أعداء لما جهلوا أو لم يألفوا، وهذا أمر طبيعي، دعوات الأنبياء ردت لذات السبب، وهو ما ورد في قول الله تعالى (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون). دعوات الأنبياء جاءت على خلاف السائد فوقف الناس ضدها، ومعلوم في علم التنمية البشرية أن النفوس تقاوم أي تغيير وتجديد، وأن الإنسان لو أراد بنفسه التغيير في عاداته وأكله وشربه ولباسه فإن نفسه تقاومه ولا تستسلم له بسهولة. الأمر الثاني؛ ورود كثير من الدعوات أو الآراء أو القضايا تحت لافتة وعنوان التجديد، لكن الناس يستشعرون أن وراءها دوافع ليست بريئة. أما شخصنة القضايا فإنها من الأخطاء التي لا يخلو منها البشر والمنبغي على طالب العلم أن يتخلص منها، ويحصل ذلك لضعف النفس البشرية رغبة في الدفاع عنها عندما تشعر أنه قد تم الاعتداء عليها، وهذا خطأ وقد وقع أيضا من الصحابة والأئمة مثل ذلك، لكن ينبغي أن لا نبرره. الواقع الفكري • كيف تقيم الواقع الفكري والوسط العلمي؟ هناك سلبيات وإيجابيات، ولا يمكن القول بإيجابية أو سلبية مطلقة، وفي الصورة العامة أرى أن الغالب إيجابي. • أثناء السجالات الشرعية، هل تؤيد ذكر اسم الشخص المنتقد؟ أحيانا نعم وأحيانا لا. • لماذا؟ الواجب في النقد هو العدل والعلم، هذه القضية تختلف باختلاف الظروف والأحوال والأشخاص. إذا وقعت الهفوة ممن اشتهر بالعلم والخير فلا ينبغي أن يصرح به أو باسمه ويرد على خطئه فقط، أما إذا كان الشخص مشهورا بالمنكر والزور أو كان محادا لله ورسوله فهذا يرد عليه وقد يذكر اسمه. دور الكوابيس • هل الكوابيس تمثل عائقا عن قبول المستجدات الفقهية؟ دعني أوضح لك، الناس يشعرون أن وراء هذه المستجدات توظيفا معينا، وأنها تعبر عن مشروع متكامل ينزل على قطرات واحدة تلو الأخرى، وحين يفشل الإنسان في الإقناع يبحث عن مسوغات فكرية هنا وأخرى فقهية هناك، إضافة إلى مسوغات بحثية وعلمية. أحيانا قد يدفع لطرحها من لا يدرك ما وراء الأكمة، عندما يدرك الناس هذا الأمر فسيرفضونه، والملاحظ أنه إذا أخذنا هذه القضايا مجردة من سياقاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية فإننا نرى أنه لا إشكال فيها وأنها من باب الخلاف السائغ. لكن عندما توضع في سياقها نستحضر الموقف النبوي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (لولا أن قومك)، وحينئذ تحسب العواقب والنتائج والآثار. دعوات التجديد • هل يعني ذلك أن بعض دعوات التجديد يقصد منها تمرير الباطل بغطاء شرعي؟ عندما تأتي دعوة التجديد ضمن قضية ما في سياق الهجوم على الإسلام وثوابته ودعاته وعلمائه والجماعات التي تحمله، وعندما تأتي في سياق المهادنة مع قادة هذا الهجوم ومتداخلة معهم ومسوقة لهم، فإنها حينئذ تشكل منظومة واحدة سيرفضها الناس بكل أطيافهم ويقفون ضدها بما فيهم العوام، بفعل إيمانهم وحسهم الاجتماعي وذاكرتهم التاريخية. • هل ترى أن هذه حالة صحية؟ هي طبيعة بشرية، تشمل أتباع جميع الثقافات والأمم، وإذا كان الأمر صحيحا في ذاته لكنه جزء من مشروع استئصالي لمنهج فكري قائم وإبداله بصورة جذرية، فالرفض يكون حالة صحية. • أعطني مثالا على ذلك؟ عندما بدأ قاسم أمين حديثه في مصر عن قضية المرأة بدأ بالحجاب، والذي يعود للتاريخ يجد ذلك، فقاسم أمين كان من تلاميذ الشيخ محمد عبده، وكما ثبت في التاريخ فقد كان بعد ذلك يبدي ندمه وأسفه على ما بدر منه. هذا ثابت ولكنهم لا يذكرونه وهو منشور وموجود، فقد ندم على أنه اتخذ مطية للتغيير الاجتماعي وإخراج المرأة المسلمة من خدرها، وإذا نظرنا إلى الدعاوى التي كانت تطلق بحجة أن المرأة مكبلة ويجب أن تشارك في المجتمع ولا بد أن يكون لها دورها نرى أنه حق لا غبار عليه، لكن أين وصلت الأمور؟ إلى الراقصات في شارع الهرم وغيرها. • هذا يقودنا إلى قاعدة سد الذرائع، ألا ترى أننا بالغنا في تطبيقها حتى منع الناس من المباحات؟ إذا أخذت القاعدة بالطريقة الشرعية فلا ضير لأنها موجودة في الكتاب والسنة وعمل أهل العلم فستكون الأخطاء في بعض التطبيقات فسد الذرائع لا يلجأ لها لأدنى سبب أو لأدنى وهم وظن. يعمل بالذريعة إذا كانت الأدلة والقرائن الصحيحة تدل على أنها مفضية إلى ما يراد وقوعه أو لا. وليس من السلامة أن نطلق حكما واحدا لجميع العلماء وطلبة العلم أو الدعاة أو الوقائع، والتعميم في ذلك ليس من العدل و الإنصاف، بعض الناس يميلون إلى التشدد ومنهم من يميل إلى التساهل وبعضهم إلى الوسط وفي المحصلة النهائية يجب التوسط وأن يكون طلبة العلم في موقف التوسط بين هذا وذاك. الأحاديث الخاصة • يستغرب الناس اختلاف حديث بعض الشرعيين في المجالس الخاصة عن ما يقولونه علنا في وسائل الإعلام، ألا يعتبر هذا تناقضا؟ أدعو الله أن لا أكون ذا شخصيتين، لكن أمورا ما تفرض ذلك، مثل الموضوع المطروح و طبيعة الطرح المقابل، قد يكون الموضوع واحدا لكن يختلف تناوله. لا بد من تغيير أسلوبي وموقفي وطريقتي، وحساب الآثار المترتبة على ما أقوله، إضافة إلى ما يقوله الطرف المقابل، العالم أو طالب العلم عندما يتحدث يدرك أن أعدادا كبيرة من الناس متعلقة في رقبته أمام الله تعالى على خلاف ما لو كان الكلام متعلقا به فقط أو بأشخاص محددين. كما ينبغي مراعاة الهدف الذي نريد الوصول إليه، فعندما أحاور شخصا بشكل خاص طامعا في تغيير مواقفه التي أجزم بخطئها، فإن ذلك يختلف عن ما إذا كنت أحاور من لا أطمع في تغييره استنادا إلى تجارب ودراسات، لكني أحتاج إلى قمع الباطل الذي على لسانه وتبيين زيفه. الحالتان مختلفتان تماما، هناك عوامل كثيرة تحدد طبيعة ما تقوله وكيفية ذلك. العالم والجمهور • هذا يقودنا إلى سلطة العالم والجمهور، أيهما الذي له سلطة على الآخر؟ الواجب اقتداء الجماهير بأهل العلم وليس العكس، كما أن الواجب على العلماء مراعاة مقتضى الحال وإدراك ما يترتب على مواقفهم وأفعالهم. عمر بن عبد العزيز عندما عاتبه ابنه على تباطئه في بعض الإصلاح الذي كان الناس يؤملونه قال لابنه: والله يا بني لا يبالي والدك إذا غلت به القدور في سبيل الله، لكني أعالج أمرا هرم عليه الكبير ونشأ عليه الصغير وأخشى إن أتيت الناس بالحق جملة أن يردوه جملة، وهنا سياسة الدعوة والتعليم وإعلان الموقف للجماهير، فلا بد من مراعاة ذلك، لكن لا يجوز للعالم أن يقول خلاف ما يعتقد أنه الحق ليعجب به الناس فقط. تيار الصحوة • كنت ممن ينادون بالدور الإيجابي للمؤسسات الدينية الرسمية، ماذا فعلتم تجاه دوركم في مناصحة الشباب وقيادتهم نحو الوسطية؟ أرى أن رموز تيار الصحوة كان لهم دور كبير في توعية الأمة، وكان لهم إسهام مقدر في كبح التطرف والغلو اللذين ما وجدا منافذ بين الشباب إلا في الفترة التي توقف فيها رموز الصحوة، وجد الفكر الغالي المتطرف طريقه إلى بعض فئات الشباب. وعندما عاد رموز الصحوة مرة أخرى إلى الساحة أصبحوا سدودا منيعة أمام التطرف. • ألا يعتبر التطرف من المخرجات السلبية للصحوة؟ ليست الصحوة أو أي عملية نهوض إسلامية في التاريخ ستكون معصومة من الخطأ والزلل، لكن الصحوة نضجت الآن وهذا أمر طبيعي. • هل يعني أنك لا تبرئها من ذلك؟ لا يمكن لعاقل أن يقول إن مجموعة بشرية بمئات الآلاف أو الملايين و على امتداد الساحة الإسلامية ليس لهم أخطاء، كذلك عندما تقع الأخطاء من أعداد قليلة أو أفراد ضمن السياق العريض الواسع فهذا لا يضير التيار الواسع ولا يصادر إنجازاته أو ما حققه للأمة في كل مكان. كذلك فإن أكثر الأخطاء التي تنسب للصحوة هي نتاج ما بعد الصحوة وليست نتاجا للصحوة، وحينما ذكر لي بعض الصحافيين أن الشباب المتطرف هم نتاج أفكار الصحوة، رددت عليهم بأنها بريئة منهم وأن تطرفهم كان بفعل عوامل أخرى، هؤلاء الشباب كانت أعمارهم في ذلك الوقت سبع سنوات وهو ما ينفي تأثرهم بنا. هؤلاء نتائج مشروع آخر، لكني أؤكد حتما وقوع الأخطاء، كما أنه لا ينبغي تعميم أخطاء البعض على الكل. رموز الصحوة الآن ملء السمع والبصر ببرامجهم وأفكارهم ومؤلفاتهم، وفي الساحة قرابة 100 فضائية إسلامية ومكتبات إسلامية منتشرة، كلها نتاج الصحوة.