وبعكس الأعوام التي كشفت عن رواج المؤلفات المعنية بكتب الأنساب وأخبارها، والتي هي بمثابة الهروب إلى الماضي، جاء معرض الكتاب في هذا العام؛ ليعلن انتصار خيال الراويات التي «ترمي بشرر» كنوع من الهروب في اتجاه آخر. ولكن ومع الانهماك في «الرمي بشرر» والمسكوت عنه «أبى أصحاب ذلك النسق الذين كان لهم الصدارة في أعوام مضت إلا أن يزاحموا الروايات بروايات ليست من نتاج الخيال ولا المسكوت عنه، بل نتاج سلوكيات تعلن التحدي»، وعلى شاشاتها الشعبية، وتفوق من خلال واقعها كوميديا المتخيل الروائي والتلفاز الكويتي عصر الثمانينيات. فهذا مؤلف إخباري ينتهي في المصداقية من حيث ابتدأ عندما أعلن على صدر مجلده الفاخر بأن سفره العظيم وفتحه المبين قد طبع على نفقة من كان الكتاب يضم أخبارهم، ويعتني بصورهم، ولكن وكمخالفة للنسق الذي جاء فيه تعبر عن عدم فهم لثقافات المخبر عنهم، فضلا عن أخبارها يقوم المؤلف وبأسلوب غير مسؤول بإهداء سفره إلى زوجته أولا، قبل أن يهديه لمن عني الكتاب بهم «كرمية بشرر من حيث لا يعلم»، وليجعلنا بتصرفه هذا أمام مشهد كوميديا غاية في الحبكة، التي لو دخلت منافسات البوكر، بل ومهرجان كان السينمائي، لعصفت بالجوائز، وتبوأت المنزلة. وعلى غفلة من الأمر، والجميع ما زالوا في غمرات مشهد كوميدي غاية في العمق الفكري مع تلك الشريحة، يأتي مؤلف إخباري آخر لييتترس في مطلع كتابه بمحترف أجنبي و17 عباءة مزركشة، في مجملها أبعد ما تكون عن البحث العلمي، بل بعضها لا يقرأ ولا يكتب، وبعضها طريح الفراش منذ أعوام، كمشهد كوميدي يفوق سابقه، وإن كان يعتمد إثارة الفتنة بين أصحاب العباءات المزركشة والآمنين في ديارهم. إلى هنا، وأمام هذه الكوميديا، والتي أشك في أن تستوعبها أو تتخيلها جمجمة أعظم روائي؛ بسبب ما يعتمده الإخباريون من المفاجآت القادرة على انتزاع الضحكة وزرع الفتنة في آن واحد، ليبقى لنا مطلب عند وزير الثقافة بأن يقيم دور تأهيل تعتني بمثل هذا التوجه وتحسينه؛ تقديرا لميولات الإخباريين وتطلعاتهم، ودفعا لما يمكن أن يحدثوه من فتن.