بربكم هل رأيتم أكثر حسدا وخبثا من شاعر يقول: ويا ليت أن الله إذ لم ألاقها قضى بين كل اثنين ألا تلاقيا ما دام أنه غير قادر على لقاء الحبيبة والأنس بقربها، فإذن لتعم القطيعة بين جميع المحبين، وليحرموا كلهم من نعيم اللقاء ولذته كما حرم هو! ما الذي يجعل شاعرا كهذا يتمنى هذه الأمنية التي تفيض (بالنحاسة)؟ هل هي الغيرة تحرقه كلما رأى متحابين يلتقيان وهو محروم؟ هل هو الحسد يدفعه إلى أن يتمنى زوال نعمة اللقاء عن كل حبيبين لم يكدر صفو حبهما فراق؟ ما الذي سيجنيه من ذلك؟ ما الذي سيجنيه بعد أن يتفرق شمل المحبين وتتمزق لقاءاتهم شذر مذر؟ قطعا هو لا يجني شيئا ماديا البتة، لكنه يحقق لنفسه سعادة نفسية بالغة، فهو يريحه أن لا يرى نفسه وحيدا في العذاب، فيجد الآخرين مثله يعانون الشعور بالقهر واللوعة والألم، بعد أن انقطع ما بينهم وبين الأحبة من اللقاء. شاعر نحيس آخر، يتمنى أن تصيب اللوعة والحرقة كبد البلاد كما تصيب البشر: ألا ليت البلاد لها قلوب كما للناس، تنفطر التياعا فهو يعز عليه أن يفارق البلاد بعد أن تعلق قلبه بها فأحبها وألفها حتى لتكاد تفارقه روحه عند فراقه لها، بينما هي تقف تنظر إليه جامدة بلا نبض، فلا تقابل لوعته بلوعة ولا حزنه بحزن، أمره لا يعنيها، إن بقي أو رحل! هذا الجمود من البلاد يزيد في أساه، كيف هو يحزن لفراقها وهي لا تكترث! هنا، تأتي (النحاسة)، فتتوقد الأماني أن تفقد البلاد طمأنينتها وسكونها فيولد لها قلب تعصره اللوعة ويمزقه الألم للفراق! المشاركة في المشاعر، تريح المتعب إلى حد بعيد، معرفة المصاب أنه ليس وحده الذي يعاني مما هو فيه وأن هناك غيره كثيرون يعانون مثل معاناته، يخفف عنه قدرا كبيرا من العذاب، ويمده بطاقة إضافية تعينه على تحمل الألم. قد نقول عن أمنيات أولئك الشعراء (نحاسة) وقد نقول عنها (أنانية)، أيا ما قلنا، هي في حقيقتها تمثل مشاعر الإنسان في داخل كل منا، فنحن حين يدهمنا الغرق، ننسى كل شيء وما نعود نعي سوى البحث عما ينجينا، لا يهم ما هو، طالما أنه يمكننا أن نتشبث به لننجو من الغرق، وهذه الأمنيات التي يسوقها الشعراء ليست سوى القشة التي يتشبث بها الغريق. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة