كلما ملأ الحرمان .. والحزن .. والحريق .. حلوقنا .. قلنا الآهة.. مكلومة .. مضمخة بشعور القهر .. ولحظة الأسى النازفة.. وكلما اتسعت حدقة الصهيل للعذابات المتواصلة لجأنا إلى الآهة حاولنا أن نجد لديها نافذة التنفيس عما يبدور في الأعماق .. ويضج في الصدر.. ولهذا سعينا إلى هذا الحوار مع - الآهة - تسللنا إليها في لحظة اتكاءتها ليكون هذا الحوار: *قلت: تطلعين لحظة للقهر .. للاحساس الحافل بالعذابات والأسى .. ماذا تحملين ؟! .. قالت : أجئ بعفوية الشعور أما لست صناعة التذكر .. والرجوع الى الماضي وحسب .. بل أنا حضور الوجع الآني .. كلما تفاقمت العذابات.. ازددت أنا حضوراً .. وتثبتاً .. . قلت : لكن أي الأشياء .. أو أي العذابات ما يجعلك الأكثر حضوراً .. والأقوى التياعاً؟! .. قالت: الجفاف.. إنه الاعتى الذي يقودني إلى الحضور كثيراً .. والذي يملأ أعماقي بالتوتر .. والانفعال.. .قلت: لكن متى تكونين فادحة؟ ..قال: في لحظة الآسى .. عندما تنشطر الاعماق .. وتتناثر شظاياها .. وتصبح الشرايين كالجمر! .قلت: لكنك بقدر ما تكونين تعبيراً عن اللوعة والآسى فأنتِ تريحين ..كأنك الغشقة التي تروى؟! ..قالت: صحيح .. فحين أكون صهيلاً مسموعاً .. أكون قد أهديت النفس بعض الراحة ..بعض الشعور بالرضا.. .قلت: لكن ما الذي يدميكِ؟ ..قالت: الحرمان .. الحنين .. الحرمان يحوّلني إلى حريق دائم لا يفلح في التصالح مع نفسه .. والحنين يجعلني عطشى مشنوق على كل الصدور!! .قلت: هل صحيح أنكِ أيتها -الآهة- الصديقة الدائمة لكل المتعبين بالحب .. والمهمومين الفراق؟! .. قالت: طبعاً .. فليس غيري ممن يصادق المتعبين بالحب .. والمهومين بالفراق.. أنا التي اسهر معهم .. وأتعب معهم .. واقتسم المعاناة معهم .. فحين يكون الحب .. أكون أنا - الآهة - الدائمة التي ترتسم على صدور المحبين .. فأنا اللغة التي تترجم الشعور بالحريق.. وحين يأتي الفراق .. ويصبح الحب سكيناً تكوي قلوب المشتاقين بالنوى .. أجيء أنا مثل قصيدة الشعر التي تتوج الفرح بالبهاء !! .قلت : ولكن هل تخذلين الانسان - أحياناً - فيبحث عنكِ دون أن يلقاكِ؟! ..قالت: للأسف ..نعم .. ولكني لا أغيب الا حين يصبح الاشتعال هو سيد المكان والزمان .. حين يتحول الانسان الى كتلة من الحيرة .. والألم .. والدم المسكون بالارتعاشة . .قلت: على أي شيء تحرصين؟! ..قالت: أن أكون هذه النافذة التي تسمح لشمس الأمل أن تدخل في عتمة الاحزان !! .قلت : وبأي الاشياء تزدهين؟! ..قالت: في لحظة اللقيا ينسى المحبون عطشهم .. وتعبهم .. ومشوارهم الطويل .. وليلهم الموحش والغارق في الوحدة واليتم .. فيقولون -الآه- بفرح .. عندها اصبح القنديل الذي يضيء بالازدهار وليس بالحرقة ! .قلت: نلوح لكِ ايتها الآهة بالوداع .. نتمنى ربما الا نلقاكِ أبداً . ..قالت: غير ممكن .. مادام أن الانسان يعيش .. ويطمح .. ويحب فلابد أن أكون معه حيناً فحيناً .. فإلى لقاء !! قنديل كلما وجدت نفسي وحيداً .. سارعت إلى قلبي أحاوره وأنقيه من العراك .. ليصبح أكثر نصاعة .. وصفاء!! اتكاءة حشود الظنون اعتادت على أن تعاودنني .. وتحرقني كلما غبتِ عني .. وأظل أنا المتماسك أمام لهب التفكير! معنى الغيرة العاقلة هي السبيل لمزيد من الشعور السامق بالحب .. أما الغيرة العمياء فهي الشرارة التي تقوض كل شيء!! في الصميم الوفاء .. هو أقصر الطرق نحو القلب !! فلا أنتِ .. أنت!! .. أتجرع حمأة الفراق .. تكوى هناءة الحنين.. وتضعني على قارعة الطريق حلماً ممزقاً ..!! ..ألسنة اللهب تمتد حتى تبلغ وريدي .. مابين استسلامي وصمودي .. ابتسامتك المجد .. والعمر ..! ..ترتعد مفاصل ليلي الطويل .. تهمي على صدري الظنون .. أتوسد ملايين الأفكار .. والتحسبات.. ثم أحمل قلبي الجريح أفتش فيه عن لحظة حب لعله يرتاح ..! .. أقفرت هذه الواحات التي كانت تمنحنا الشذى .. ونظلل هامات الوجد .. والحنين..!! .. أصبحت الشموع تبكي وهجها المفقود .. تداري نفسها .. تخاف أن يفضحها الظلام ..!! .. كل الشوارع ساكنة .. وكل الطرقات صامتة.. وكل العناوين ضائعة .. ألا هذا الصهد المتفاقم في فمي !! .. في لحظة .. نقيت نفسي من الغضب .. ساءني أنكِ تواريت أكثر .. أصبح حضورك الوحيد في ظنوني .. وجنوني..! .. استعدت كل الذي مضى .. تذكرت العطر .. والفل .. والنرجس .. وتذكرت الهيل .. والقرنفل .. والحلوى .. وتذكرت الابتسامات .. والدموع .. والنجوى . تلفتُ .. فلا أنتِ .. أنت ولا الزمان .. هو الزمان!! طمنيني قال الشاعر: طمنيني عسى كل العمر ..ماضى عسى كل الفرح .. ودع عسى كل السما .. شبرين وعسى كل الشعر عندك ما يظل أصابع لهفتك بعدي عساك مثلي كل ما أسأل عيوني عن عيونك وليلي عن ضو صوتك أو خوفي عن ايديك أبكي من حزن ردي..!!