منذ سنوات بعيدة، كانت لجدتي رحمها الله ساعة قديمة تسير وفق توقيت غريب، أو أن هذا ما اعتقدته عندما كنت في حجرها طفلا صغيرا. أذكر أن أذان المغرب كان في الثانية عشرة، والعشاء في الواحدة والنصف، والفجر في العاشرة. كان الأمر يحيرني عندما أكون خارج المنزل، فأجد توقيتا مختلفا تماما عن ساعة جدتي. عندما سألتها عن السبب قالت إن ساعتها تتبع التوقيت العربي، أو ما كان يقال له حينها بالتوقيت «الزوالي»، وهو توقيت يختلف تماما عما نعرفه حاليا. بعد حين أدركت أن جدتي، ومثلها كثير من نساء الحي اللائي في عمرها، يتبعن التوقيت ذاته المتوارث منذ عقود. واستمر الحال إلى أن ازداد ارتباطنا بالعالم الخارجي، وأصبحت الدار الصغيرة التي أسكنها أكبر وأكثر انفتاحا على العالم الذي يسير وفق التوقيت الذي نعرفه اليوم. لو بقيت جدتي على قيد الحياة لتوجب عليها أن تعيد ضبط ساعتها، أو أن تصبح حبيسة زمن خاص بها. لماذا أقول ذلك؟ لأن ما كان يحدث مع ساعة جدتي هو ما يحدث الآن باعتمادنا التاريخ الهجري في كل معاملاتنا. نحن وحدنا دون العالم نفعل ذلك. وفي رأيي أنه إن استطعنا حتى الآن التكيف مع هذا التأريخ، أقصد الهجري، فلن يطول الأمر لنصبح، مثل ساعة جدتي، معزولين عن العالم من حولنا، وأسرى زمن خاص بنا. اليوم، بعد أن قضيت ردحا من الزمن خارج السعودية، أشعر بتأثير أكبر لهذا الاختلاف. فكلما ضربت موعدا مع صديق أو فرد من عائلتي في السعودية، يعطيني تاريخا هجريا احتاج معه إلى إعادة حساب لربطه بالميلادي الذي أجده أسهل وأكثر عملية. العالم اليوم قرية صغيرة، وفوق ذلك فإن اعتمادنا قائم على الآخرين في وارداتنا وصادراتنا، وحتى في لبسنا وغذائنا، وهؤلاء الآخرون لا يعرفون سوى التاريخ الميلادي. حتى شهادات ميلادنا تتعثر عندما نربطها بالتاريخ الميلادي. ويتغير العمر فيها تبعا لذلك. فمن يكون صغيرا سيجد أن عمره أكبر، والعكس قد يحدث. وسبب ذلك أن الفارق بين التاريخ الهجري والميلادي يصل إلى 13 يوما في العام، وهو فرق كبير مع توالي الأعوام. أعلم أن عيدينا، الفطر والأضحى، يرتبطان بالتاريخ الهجري. لكن معاملات الدولة الأخرى، بما في ذلك اليوم الوطني، والميزانية العامة للدولة، تسير وفق التاريخ الميلادي. إن فعلت خلاف ذلك سيختل تعاملها المالي مع العالم، وتضطرب حياتنا كلها. ليبق التاريخ الهجري مكرما في قلوبنا وعقولنا، وليكن التاريخ الميلادي المعتمد في حياتنا ومدارسنا ومعاملاتنا الكبيرة منها والصغيرة؛ لنجاري العالم في زمنه وحياته. [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة