أصبح الشغل الشاغل لأهل الفن في المملكة، انتظار ما سينتج عن المشروع الفني الكبير أوبريت الجنادرية «وحدة وطن» للثنائي الشاعر الساري والملحن الفنان ماجد المهندس، إذ يعرض مساء غد مع جوقة غناء وأصوات متميزة يتقدمها فنان العرب محمد عبده، وماجد المهندس، وراشد الماجد، وعبد المجيد عبد الله، وعباس إبراهيم، وفدوى المالكي، ويارا. «عكاظ» وقفت على آراء نخبة من الشعراء والفنانين والإعلاميين والنقاد حول مفهوم الأوبريت في نقاط ثلاث: أولها هل تعبر هذه الأعمال الوطنية عما يجيش في دواخل المواطن من مشاعر نحو الوطن؟، ثانيها هل نجاح هذه الأعمال الوطنية مرهون بزمن طرحها، وهل لها عمر افتراضي؟ ثالثها معايير الأوبريت الغنائي في المناسبات الوطنية؟ ترجمة مشاعر الأمير الشاعر خالد بن سعود الكبير الذي كانت له مساهمته البارزة في الكتابة للوطن عبر ترجمته لمشاعر كل مواطن في الأوبريت التاسع عشر لمهرجان الجنادرية «عرين الأسد» من ألحان محمد المغيص وأداه محمد عبده ومحمد عمر وخالد عبدالرحمن وعبد المجيد عبد الله، أبدى أسفه لأنه «ستكون مصافحتي لأوبريت الشاعر ساري للمرة الأولى غدا، لأني لم أقرأ النص، ولم أستمع للعمل. لكن أستطيع أن أؤكد أن أي عمل وطني من أي شاعر لا يعني في مجمله إلا ترجمة لمشاعره تجاه هذا الوطن الذي له علينا الكثير .. الوطن لوحة تحتاج إخلاص المخلصين وإبداع المبدعين، وبنظرة شاملة أرى أن كل ما يكتب عن الوطن لا تزيله أي عوامل لا الزمن ولا غيره إذا كان ذلك مغلفا بالصدق». الفن الأصيل الشاعر الدكتور محمد بن عبود العمودي أثنى على التجربة الجميلة للشاعر ساري، ملاحظا أنه «قدم الكثير في التغني بالوطن والمحبوب في أغنيات ذاعت وشاعت له»، متوقعا نجاحا باهرا لأوبريت «وحدة وطن»، «بحكم خبرتي الطويلة في هذا المجال»، وأضاف «إننا على موعد أكثر من مهم مساء غد مع ساري ومحمد عبده وماجد المهندس وباقي نجوم الفن الأصيل في ليلة الجنادرية الأولى التي ستكون مختلفة بكل المقاييس». إدريس وتوحة واستثمرت «عكاظ» أمسية جمعت كلا من الدكتور الموسيقار عبد الرب إدريس والفنانة توحة البارحة الأولى لتستطلع رأييهما حول الأوبريت، حيث قال إدريس الذي سبق له تلحين أوبريت الجنادرية الافتتاحي للعام 1415 ه «دولة ورجال» من أشعار خلف بن هذال، وأوبريت العام 1423ه «خيول الفجر» من أشعار الدكتور عبد الرحمن العشماوي، ثم عند مبايعة خادم الحرمين لحن أوبريت الجنادرية «وفاء وبيعة» من كلمات فهد المبدل، كما لحن أوبريت العام الماضي «شمس الشموس» من أشعار الأمير بدر بن عبد المحسن: «أنا متأكد أن حرفية ومشاعر الشاعر ساري والتعامل الموسيقي الجيد مع ماجد المهندس وناصر الصالح عوامل كافية لأن نلتقي غدا مع أوبريت لافت جدا يجعلك تضع كل أسئلتك هذه جانبا»، مشيرا إلى أن «العمل الوطني ليس له عمر افتراضي وذلك بما يزرعه في وجداننا على طول المدى ومثل هذه الأسماء المشاركة في العمل جديرة بأن نركن لها وننتظر النجاح منها». بهجة وحبور الفنانة توحة ترى أن الغناء للوطن ليس له معايير، موضحة أن المسألة تتلخص في كيفية التعبير عما يجيش في وجدان الشاعر أو المواطن، ومعرفة ماذا يريد الوطن، وتوقعت توحة أن يضفي ساري وماجد المهندس وناصر الصالح وأستاذنا الكبير محمد عبده على مساء الافتتاح الكثير من البهجة والحبور في أمسية من الوطن وله. نتاج الكبار الموسيقار والمؤلف الموسيقي حمزة بشير أشار إلى أن العمل الوطني عندما يكون نتاجا لكبار في عناصره الصانعة له مثل شاعر بحجم وتجربة ومكانة ساري، وبتواجد أسماء مثل محمد عبده وناصر الصالح وماجد المهندس فإنه لا خوف عليه، مبديا ثقته بأن يكون مساء الغد مع أمل جديد للغناء الوطني السعودي. وجبة فنية نائب رئيس مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي الكاتب والناقد المسرحي الدكتور عبد الله العطاس اعتبر أن «أوبريت الجنادرية أحد العلامات المميزة للفن السعودي»، لافتا إلى أن الأوبريت وجبة فنية سنوية تحكي جميع الفنون بدءا من الشعر مرورا بالألحان والأداء المسرحي والرقصات التي تمثل جميع مناطق المملكة، وانتهاء بالغناء الذي يشدو به عمالقة الغناء السعودي في منظر جميل يختلط فيه خبرة الكبار بحيوية الشباب». وأكد العطاس أن أوبريت الجنادرية يمثل دلالة واضحة على دعم الدولة للفنون بكافة أنواعها كونها تمثل ألوان التراث في بلادنا. واعتبر الأوبريت أحد أهم الأعمال التي تعبر عما يجيش في دواخل المواطنين من مشاعر حب فياضة تجاه هذه الوطن المعطاء، خصوصا أنها تربط الماضي بالحاضر في صورة جميلة خلاقة تتغير من عام لعام نحو الأفضل. وقلل العطاس من تأثر الأوبريتات القديمة بظهور أوبريتات الحديثة، معللا ذلك بقوله «لكل أوبريت نكهته الخاصة التي تختلف عن الأخرى وطريقة تنفيذه، فأوبريت الجنادرية تعاقب عليه عدد كبير من نخبة الشعراء والملحنين والمطربين والممثلين والمخرجين والفرق الاستعراضية، لذلك فكل أوبريت له ميزته الخاصة»، معترفا أن بعض الأوبريتات مازالت محفوظة في ذاكرة ووجدان الجمهور السعودي، كونها مقطوعات غنائية ساحرة وخيالية الجمال». يوم واحد الشاعر والناقد الفني الدكتور محمد الصفراني أوضح أن «الأوبريت عمل متكامل يتمثل بنص، وأداء فني، ونواح درامية، إذا تكاملت كان النص متكاملا مع الأداء والنواحي الدرامية، فتعبر تجاه الوطن، أما المشاعر فهي تعود لدواخل المواطن، والأوبريت يعبر عن التنوع الثقافي لجميع مناطق المملكة، ويعبر عن شريحة كبيرة من المواطنين». وأسف الصفراني أن «أوبريت الجنادرية من الأعمال التي لا تخزن في الذاكرة إلا ليوم واحد»، وقال: «العمل الثقافي تراكمي في الدرجة الأولى، ونجد أن أوبريت الجنادرية من الأعمال التي تعرض يوم الافتتاح، ولا نجدها بعد ذلك، ويعتبر عملا ليوم واحد فقط»، وأضاف: «لكننا نجد أن هناك الكثير من الأغاني الوطنية التي تختزن في الذاكرة، لأنها استطاعت أن تعبر عن التنوع الثقافي، وعرضت في وسائل الإعلام، ويا ليتنا نجد أوبريت الجنادرية بهذا الشكل، حتى لا ننساه»، لافتا إلى أن «المعايير التي يراها في الأوبريت الغنائي تتمثل في التنوع الثقافي لجميع مناطق المملكة، كذلك يحتوي على قيم وأهم الأحداث». كتابات الوطن شاعر الوحدة اليمنية أحمد بامجبور عبر عن مشاعره بهذه المناسبة بقوله: «اعتدت أن أعيش المناسبات الوطنية السعودية مثل مهرجان الجنادرية بحكم تنقلي الدائم بين المملكة واليمن، ومثلي مثل كثير من محبي هذه المملكة صاحبة الريادة في كل ما من شأنه أمن وتقدم عالمينا العربي والإسلامي». وأضاف «أتشرف أن تكون لي مشاركة فاعلة في دورات مقبلة من هذا المهرجان الثقافي الوطني في المملكة، وبالنسبة للشاعر الكبير ساري الذي كتب أوبريت هذا العام تعرفت على عطاءاته العاطفية قبلا مثل نصه الأخير «اذكريني» من ألحان محمد عبده، وبصوت ماجد المهندس، وأنتظر غدا أن أتعرف على كتاباته في الوطن». وسام شرف الفنان الشاب تركي رأى أن «مشاركة أي فنان في أوبريت الجنادرية تعتبر فخرا ووسام شرف على صدره»، مؤكدا أن «الأوبريت يمثل عامل ربط قويا بين الوطن وأبنائه من خلال كلمات شاعرية ولوحات راقصة جميلة تمثل تراث المملكة في أجمل صورة». وأفاد أن «أوبريت الجنادرية طويل العمر، ولا يتأثر بظهور أوبريتات جديدة لكونها حالة إبداعية لا تضاهي الواحدة منها الأخرى». ووصف تركي أوبريت الجنادرية بأنه تحفة فنية وعلامة فارقة جميلة للفن السعودي الذي يطل من نافذة تظاهرة ثقافية تخطت حدود المحلية وانطلقت لتعانق المجد وتستحوذ على اهتمام الجمهور في الخليج والعالم العربي بل العالم أجمع. وأشار تركي إلى أن الأوبريت مازال حيا في وجدان الجمهور بدليل أن كثيرا من الناس ما زالوا يحفظون ويرددون مقاطع أوبريتات سابقة. ودعا تركي وسائل الإعلام للاهتمام بهذا الأوبريت، وبثه دوريا لما له من قيمة فنية وجمالية وإبداعية. وامتدح تركي دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز للجنادرية ولأوبريتها، مشددا أن هذا الدعم غير مستغرب على رجل المبادرات الخلاقة الذي قاد المملكة بنجاح في جميع المجالات العلمية والتعلمية، وحتى الفنية بما يمثله الأوبريت من دعم قوي للحركة الفنية في المملكة. رأى المخرج السوري نجدة إسماعيل أنزور (صاحب تجربة ثرية في إخراج أوبريت من أوبريتات الجنادرية) أن «العمل في الأوبريت يعطي المخرج مساحة كبيرة من الإبداع وخلق حالة جديدة غير مسبوقة»، موضحا أنه «قبل خوضه للتجربة الأولى في إخراج الأوبريت الأول له (خيول الفجر) اطلع على كل الأوبريتات السابقة، ومن ثم حاول صياغة أسلوب جديد في الأوبريت بشكل يتماهى مع النص والمرحلة الزمانية والمكانية. وتضمن الأوبريت إضافة إلى اللوحات الإنشادية أربع مشاهد تمثيلية كتبها نخبة من كبار الكتاب المتميزين في الوطن العربي وشارك في الإنشاد عدد من الفنانين وهم: محمد عبده، السوري صباح فخري، الكويتي أحمد الحريبي، والمصري سعيد حافظ، وأدى المشاهد التمثيلية عدد من نجوم الدراما العرب بمشاركة فرق الفنون الشعبية من أذربيجان وأندونيسيا والمغرب وفلسطين في صورة تعطي المكانة الكبيرة للمملكة في قلوب كل العرب والمسلمين. وشدد أنزور على أن أوبريت الجنادرية رسالة فنية تحمل في ثنياها رسالة المملكة المملوءة بالحب والسلام نحو العالم أجمع عارضة جزءا من تراثها المجيد وحاضرها الزاهر ومواقفها الإيجابية. ولفت أنزور إلى أن هناك معايير للأوبريتات الغنائية في المناسبات الوطنية منها الرسالة التي تحملها الكلمات للشعب من جهة وللعالم من جهة أخرى، موضحا مواقف البلد من القضايا التي تمر بها المنطقة عبر الكلمة واللحن والأداء، إضافة لتعبير صادق عن مشاعر الحب تجاه وطنهم، مضيفا «الأوبريت يحمل تراث المملكة في صورة فنية جديدة وغير مألوفة تستحضر معها رسائل أخرى محلية وعربية وعالمية».