في عالم الأخبار والنقولات وأحاديث المجالس هل يوجد صدق محض؟، وهل توجد رواية مستقلة خالية من «البهارات» زيادة أو نقصا؟، شخصيا لا أظن؛ فحتى صناعتنا للخبر نرويها وفقا للمشاهدة الشخصية قبل العملية المهنية، نظهر الجانب المؤيد ل «ميلنا» وإن كان في هامش الخبر، ونغيب «المتن» لأن في سنده نظرا!. منذ أول يوم وطئت فيه الساحة الإعلامية، تيقنت بأن «الحياد» أراجوز نحركه على مسرح الواقع، وأن المشهد الإعلامي ما هو إلا امتداد للمشهد الأوسع: المجتمع، بتناقضاته وكذباته ومثالياته.. نروي ونحلف الأيمان المغلظة «والله وتالله وبالله» بما شهدنا وسمعنا في محيطنا العام، ومع كل رواية تصلنا عن نفس الحادثة نكتشف شيئا جديدا يقال لنا لم نسمعه في المرة الأولى، أما قالوا: وما آفة الأخبار إلا رواتها؟. جميعنا يمارس في حياته مصطلح «الانتباه الانتقائي»، نعالج المعلومات المتوافرة لدينا عن حدث ما وفقا للجزئية التي تتفق مع نظرتنا أو بشكل أدق مع النتيجة التي نريد الوصول إليها، فنتمسك بسطر أو مشهد واحد لأن هذا «ما نريد» ونضرب بعرض الحائط مئات السطور والمشاهد الأخرى، حالنا كحال أبي نواس يوم نظمه «ما قال ربك ويل للأولى سكروا.. بل قال ربك ويل للمصلينا»!، فنجتزئ من السياق العام ما وافق الهوى ثم ننشره في الآفاق فرحا كمن عثر على ضالته. قبل أيام وصلني على البريد «جزء» من حوار تلفزيوني كنت قد أجريته مع الكاتب عبد الله بن بخيت، الرسالة حملت عناوين مثيرة من نحو «الجرأة على الله» والدخول في سياق التكفير، شاهدت المقطع رغم معرفتي بما دار فيه، فوجدت يد «المونتاج» قد شوهته وحذفت السياق العام، واكتفت ببعض العبارات التي قالها الكاتب، ثم شرع بعدها المعترض في نشر تهمه بعد اكتفائه من نشر ما يريد، ولو كان صادقا لأنزل المقطع كاملا، ولم يمارس لعبة «الحذف» التي يريد من خلالها الوصول إلى نتيجته، حتى «استغفار» الضيف من كلامه لم يرق لناشر المقطع، فعمد إلى حذفه!.. ونعم الانتباه الانتقائي. على نفس السياق.. نسمع كثيرا أن تركي الحمد يقول «الله والشيطان وجهان لعملة واحدة» هكذا نجتزئها من سياق روائي عام، نحاكم فيه الكاتب وهو يسرد حوارا بين طرفين أحدهما مؤمن والآخر ملحد، وكأننا ننتظر من الروائي في سرده أن يعمد إلى المتناقضات في شخصيات روايته بعيدا عن الواقع، ثم ننشر في الآفاق وإن لم نقرأ الرواية تلك المقولة كدليل انتقاص واتهام، ونعم الاجتزاء!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة