اجتمع الفضوليون في بيت كبيرهم في ليلة كان الأنس والفضول عنوانها. ليلة تجاذب فيها الأعضاء أطراف الحديث وتبادلوا طرائف الأخبار وغرائبها. وفي ختام اللقاء قرروا التفكير بجدية في هجرة كوكب الأرض والانتقال للعيش الكريم في كوكب آخر يتسع لآمالهم ويقدر مشاعرهم، ويجيب على تساؤلاتهم الوجيهة!. خاطبهم كبيرهم قائلا: عشت طويلا يا إخوان وسألت كثيرا ولم أجد سوى التأنيب والتقريع والتوبيخ، وها أنذا شيخ هرم، وما زلت لا أعرف ولا أدري عن كثير من الأشياء والأسرار والحوادث التي تعمد الناس إخفاءها عني والاحتفاظ بها لأنفسهم، ضنا بها علي ونكاية وتعذيبا لي. لقد تغير بنو البشر كثيرا هذا الزمان، لم يعد لنا مكان هنا، ضاقت بنا الفيافي والصدور. تخيلوا أن الرجل يغضب ويزمجر إذا سألته عن دخله الشهري المعروف، أو حسابه المصرفي الجاري، أو حتى حصته الحلال التي ورثها عن والده رحمه الله. أذكر أن أحدهم صرخ في وجهي زاجرا: لا أدري.. ماذا تريد؟، وآخر أقل منه حدة قال بلطف باطنه القسوة: بصراحة هذا شيء خاص وأود الاحتفاظ بسريته!، هكذا بكل بساطة فجة يردني صفر اليدين وكأنني سأشاركه في أملاكه أو أعبث بأمواله!. ثم قام فضولي مخضرم وأنشد شعرا في «فوائد الفضول» ثم قال: عاشرت أجيالا عديدة ولم أجد أصلف من هذا الجيل، كنا في الأيام الخوالي نسرح ونمرح ونحصل على ما نريد من معارف وحكايات وأسرار، أما الآن فإن تسأل سؤالا هينا من كلمتين كقولك: كم راتبك؟، فسوف تجد من يعذبك بجواب لا يغني أو يسمن من جوع كقوله: الأمور لا بأس بها والحالة مستورة!، أو تجد من يرد على السؤال بسؤال تهربا وتهكما كأن يقول: لماذا تسأل، هل لديك وظيفة أفضل؟. إخواني في الفضول، نحن قوم لم نسرق ولم نكذب، كل همنا أن «نعرف»، تزداد سعادتنا عندما نعرف قبل كل الناس. أرأيتم الحوادث في الطرقات، ألسنا أول من يصلها من كل صوب؟، نتجمهر، نلتف حولها كالطوق، نتساءل ونتجادل من المخطئ ومن المصيب، ثم نروي للآخرين ما شاهدنا بصدق وأمانة وتصرف!، ألسنا بهذا من أصحاب السبق والشهامة؟. ثم قامت امرأة لتحكي معاناتها مع خصوم الفضول، وقالت بصوت متهدج: لقد هجرني زوجي لأني كنت حريصة على تقليب وقراءة أوراقة الخاصة خوفا عليه، ولأني كنت أطمئن على هاتفه الجوال وأتفحص رسائله ومكالماته وأتأكد من خلوه من الأضرار والأشرار. كنت أتحمل تذمره المتواصل من كثرة تساؤلاتي البريئة!، زادت أوجاعي جارتي وصديقتي عندما ذهبت إليها لأنسى همومي وسألتها عن عمرها التقريبي -وهو سؤال طبيعي- ولكنها صدمتني عندما قالت إن عمرها توقف عند 17 عاما!.شكرها كبير الفضوليين وناشدها الصبر، وقال: النساء نصف المجتمع، لن نرحل بدونهن، إن الفضوليات يملكن من المهارة والذكاء ما لا نملكه نحن معشر الرجال. محمد منصور آل فاضل نجران