المرة الاولى التي رأيت فيها قلم الحبر، والذي كان معروفا على ايامنا باسم (القلم الابنوس) كانت عندما جاء زوج عمتي من البلدة لزيارتنا في امبابة. كان في سن ابي ويعمل ناظراً لدائرة زراعية. كنت طفلاً، وكان ابي قد احضر له جلباباً خفيفاً لكي يرتديه زوج شقيقته فترة السهر والنوم، وانا رأيته يخلع الجلباب الصوفي، وقبل ان يخلع الصديري رأيت في جيبه العلوي مشبك تلك الاعجوبة المسماة (قلم أبنوس). لا اذكر ان كنت قد ادعيت النوم حتى ناموا، ام انني نمت فعلا وقمت وهم نيام، ولكن ما اذكره جيداً انني تسللت الى ثيابه المعلقة، ونزعت القلم من مكانه في جيب الصديري وجلست في ركن الحجرة اتفحصه في العتمة، افتحه وأتأمل السن الذي يكتب، واتلمس جوفه الممتلئ حبراً، وبعد ان اكتفيت من الفرجة اعدته الى مكانه في جيب الصديري. لا أذكر لونه، إلا أنني أرتجف الآن وأنا افكر في موقف لو انه قد استيقظ ورآني اعبث بثيابه. المرة الثانية التي صادفت فيها ذلك (القلم الأبنوس)، كانت في احدى المدارس التي التحقت بها. كان مع واحد من تلامذة الفصل. وكان يحتفظ به في درجه المغلق. وعندما كان يفتح القفل بالمفتاح ويخرج القلم، كنت انتقل من مكاني وانضم اليه مع بعض الاولاد، اتفرج عليه وأطلب منه أن يسمح لي بالإمساك به وتفحصه. في أحد الأيام جاء الولد ووجد الدرج مكسوراً والقلم اختفى. أنا لم انتبه لما حدث، إلا أنني لاحظت أن الأولاد، وكانوا يجلسون أمامي في الناحية اليمنى من الفصل، يلتفتون نحوي ويتهامسون. وعندما دخل المدرس، قام الولد وشكاني بأنني اخذت القلم. واستشهد بزملائه الذين قالوا انني كنت شديد الاهتمام به، وقال آخر انني فعلاً الوحيد الذي كان: «نفسه فيه». والمدرس طلب مني الوقوف. لا اذكر انني تكلمت. ما اذكره ان الدموع انهمرت من عيني وانا واقف، ولم يكن معي منديل، وجففت عيني وأنفي في كم القميص. وصاح المدرس: «الله يقرفك». وأشار بيده إلى الباب: «اخرج بره». ما أذكره أنني مشيت حتى مقدمة الفصل، وجريت. ولم أعد أبداً إلى هذه المدرسة.