في كل يوم أخرج من منزلي بعد صلاة العصر لأرى مشهدا ربما رآه غيري في كثير من الأحياء في هذا الوقت بالذات وهو مشهد الشباب وهم يلعبون كرة القدم في الشوارع .. إلا أن هذه المرة كان المشهد أكثر إثارة حيث كان يتميز بطابع خاص لم أعهده من قبل فقد رأيت جمع غفير من الجمهور المتابع والمنشد لما يحدث على قارعة الطريق ورأيت أن الفرق قد ميزت ألوانها بأطقم خاصة لكل فريق وكرة مميزة وحكم .. ولكن الشيء الذي لم يستجد بين المشاهد هو أن المرمى معمول من (( براميل الزبالة )) أعزكم الله .. مررت بسيارتي فلم استطع أن أتجاهل ما يحدث عدت إليهم وجلست ارمقهم بعيني وأتأمل واقعهم بعقلي وأنظر إلى ما يفعلون بتأمل كامل ..ثم أوقفت سيارتي وترجلت واقتربت منهم أكثر .. وقلت في نفسي لا بد لهذا العمل المنظم من رئيس يحرك هذا الجمع ... تقدمت إلى الجالسين الذين كانوا يتابعون بشغف وسألت من المسئول هنا ؟؟ فأجاب أحدهم ولعله أكبرهم سنا مما يبدوا من ملامحه وقد تستغربون حيث أن عمره لا يتجاوز السابعة عشر ... فقال : أنا .. سلمت عليه وتعامل مي بلطف بالغ وتجاوب مع أسئلتي بكل أريحية .. فدار الحوار التالي : هذي مباراة والا لعب عادي ؟ لا هذي دورة ... كم مدتها اسبوعين من المنظم أنا .. وكل اسبوعين انظم دورة بين الحواري القريبة كم الرسوم ؟ كل فريق يدفع خمسين ريال والنهائي يقام كل يوم أثنين طيب ..كنتم تلعبون في الشارع الثاني وش اللي جابكم هنا ؟؟ بلغوا علينا ..فانتقلنا هنا (( لاحظ بلغوا علينا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ )) يعطيك العافية وموفقين يا هلا والله حياك الله ..... تم الحوار ثم أدرت محرك سيارتي واتجهت إلى طريقي وهناك كم من الأسئلة تدور في ذهني وأجزم أنها لا تغيب عن أذهان من يهتم للشباب في هذه المحافظة ...ومن تلك الأسئلة : من المسئول عن هؤلاء الشباب ؟؟ من يتبني هذه المواهب التي بلا شك ستموت في مهدها ؟ من ينمي هذه القدرات التي ستبليها ملاعب الإسفلت أن صحت تسميتها ملاعب فهي في الحقيقة طرقات ؟ أين مراكز الأحياء التي سمعنا بها ولم تقم حتى الآن ؟ أين المراكز الترفيهية للشباب التي مللنا من سماع الوعود بتنفيذها فقد صمت آذننا الجعجعة ؟ قبل ست سنوات كنت ضمن وفد في لقاء مع أحد المسئولين في المحافظة وقال سترون بإذن الله قريبا تنفيذ مركز ترفيهي للشباب في كل حي من أحياء الخرج ......... ولكن إلى الآن والشباب وأقصد هنا صغار السن الذين لا يملكون المال ولا السيارة لكي يذهبوا إلى الملاعب التي خارج البنيان يغيرون ملاعبهم من شارع إلى شارع كل ما بلغ عليهم أحد الجيران الذي يتأذى من أصوات الكرة واللاعبين ولا نلومهم فهو حق مشروع لهم فالطرقات وضعت للسير وليس للعب الكرة ولكن أين يلعب الشباب الكرة إذا كانوا لا يملكون غير هذه الشوارع ؟؟؟؟ وخاصة أذا كان أكبرهم أجزم أنه لم يصل حتى المرحلة الثانوية .. هذا ونحن على أبواب إجازة وما أدراك ما الإجازة ؟؟؟ وياقلب لا تحزن على ما ستراه في الإجازة ولكم الله يا شباب الخرج لا أدري أين وكيف ستنتهي بكم هذه الإجازة ؟؟؟ ربما النزر اليسير منهم يلتحق بالمراكز الصيفية التي تغلق أبوابها بعد صلاة العشاء بساعة تقريبا ولكن أثق تمام الثقة أن الكثرة والسواد الأعظم ستتلقفهم الشوارع ولعل من أبرزها شارع أبي دجانة المعروف عند الكثير باسمه الشعبي ((قوية )) ولا أدري ما سر هذه التسمية فلعل لها مدلول يعرفه من يقدرون هذا الشارع الأجرد الذي لا يملك من مواصفات الجمال ما يجعل له كل عظمة هذا المشهد الذي يتكرر بمناسبة وبدون مناسبة .. الشارع القضية الذي شدني ما رأيت فيه من عجيب تصرفات من يطوفونه وكأنهم قد أجبروا على ذلك وليتهم يكتفون بواجب الطواف فقط بل يقومون بتنفيذ ما يرافقه من سنن شرعوها لأنفسهم حين أملتها عليهم عقول فارغة وقلوب خلت من الهدف وعيون كستها ضبابية الرؤية لمستقبلهم المشرق فتجد هذا غرق في براثن القبلية المقيتة الذي يرى أنها من تصنعه وتجعل منه رجل خارق شجاع كما كان أبوه وجده إن كانوا كما يدعي ؟؟ فيعتدي على من يريد ويحتقر من يريد بل وله الحق الكامل في قتل من لا يرى أنه لا يرتقي لمنزلته العظيمة التي لم ترتقي إليها سوى قبيلته التي في الحقيقة هو عبأ عليها .... وذاك يتخبط في وحل الموضة حتى وإن كانت لا تتناسب مع دينه أو تقاليده أو حتى شكله وخلقته .. وآخر إمعة تبعي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إذا الريح مالت مال حيث تميل ... وأظن أنه لا يخلو كل حي من أحياء الخرج من (( قوية )) .. وإن كنت هنا ألوم الشباب على هذه التصرفات إلا أني مع ذلك أجد لهم العذر في كثير من تصرفاتهم فالتقصير في التربية من البيت والمدرسة و وسائل الهدم التي أصبح يعج بها مجتمعنا فحدث ولا حرج وإن تحدثت فلن أنسى البطالة التي عمت وطمت وألقت بظلالها على حياة الشباب ...الأمر خطير جد خطير .. ولما تسأل أحد الشباب لما الاجتماع على هذا الشارع الذي ليس فيه من المتعة سوى ما يدعونه في أنفسهم يجيبك مباشرة (( ياخي وين نروح )) فعلا أين يذهبون فما نفذ من (( أرصفة)) أقصد مشاريع للشباب في الخرج إنما نفذ على استحياء ولا يفي بالغرض وهنا أتساءل أين مشروعات مراكز الأحياء الترفيهية التي كنا نسمع بها منذ سنوات فقد اصمت أذاننا الجعجعة ولم نرى الطحن بعد .. ولكن سننتظر ونراقب ما يحدث في ((قوية )) وغيرها ونردد (( الله يستر )) حتى تتحقق هذه الأحلام وإن لم تتحقق فيكفينا الأمل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. صالح السهلي