في مركز التأهيل الشامل في جدة، تتفاوت الحالات التي يعاني أصحابها من مرض نفسي واختلال عقلي ما بين عقلية وجسدية، إلا أن معظم المرضى يتفقون على أن زيارة الأهل والأقارب قد تنسيهم الألم، وتجدد في دواخلهم الأمل، وتجعلهم يشعرون بحقيقة أنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع. تركوه وحيدا يعيش الشاب (ح. ه) في مركز التأهيل الشامل في جدة منذ ما يقارب الأعوام الخمسة، وهو يعاني من تخلف عقلي لا يشكل خطرا على أحد، كان هادئا مبتسما وفرحا بزيارته، متسائلا عن أسباب عدم زيارة أسرته وتركه وحيدا بعيدا عنهم، فرغم إصابته بتخلف عقلي، إلا أنه لم ينسهم أبدا، وينتظر زيارتهم التي طالت كثيرا، فخلال الأعوام الخمسة -حسب قوله- التي عاشها هناك لم يشاهدهم سوى مره أو مرتين. تجاهل مر في مشهد أكثر إيلاما يلازم الشاب (خ. غ) كرسيه المتحرك كونه ولد بإعاقة جسدية حرمته المشي والعيش معتمدا على نفسه، فهو يحتاج إلى من يطعمه ويبدل ملابسه ومن يساعده في شؤونه الحياتية، ورغم أنه في ال 26 من عمره، إلا أن ذلك المرض حوله إلى طفل لم يتجاوز العاشرة، ولكنه يمتلك عقلا راجحا، ومدركا لما يدور حوله، أمضى قرابة الأعوام السبعة في مركز التأهيل، لم ير خلالها أسرته إلا نادرا، ويمضي كل يومه منتظرا زيارة أحدهم للاطمئنان عليه، ولكن يطول انتظاره حتى يراهم لدقائق معدودة، وفي آخر زيارة لهم حملوه إلى المنزل لقضاء إجازة الصيف معهم، وكان سعيدا بهذه الخطوة، إلا أنه يقول: بعد عودتي إلى هنا أخشى ألا أراهم مرة أخرى، فقد مضت الآن ثلاثة أشهر ولم أرهم أو يسأل عني أحد؟! انتظار وتفاؤل يعيش (ب. ص 22 عاما) على أمل أن هناك من سيأتي لزيارته، لكن ليس لديه إلا جملة واحدة يكررها «اليوم سيأتون» فهو متفائل جدا ومبتسم دائما. ولد بتخلف عقلي أجبر أسرته على تركه في مركز التأهيل في جدة دون أن يهتموا به بعد ذلك، ولم يلتزموا بزيارته والاطمئنان عليه لشهور، فقد أمضى أعواما طويلة تجاوزت العشر وهو بعيد عنهم، فلم يجد بدا من الانتظار والتفاؤل. عزلة وأمل (ع. ب) في العقد الرابع من العمر، كان جالسا بكل وقار، لا يكلم أحدا، ويكتفي ببعض النظرات إلى من حوله، يختلسها بين الفينة والأخرى، يعاني من تخلف عقلي لازمه طوال حياته، وبعد أن أتت به أسرته إلى مركز التأهيل الشامل نسيه كل من كان يعرفهم حتى الأقربون منه، وعاش بعيدا عن دفء أسرته لأعوام طويلة، ولكنه قبل مدة تفاجأ بزيارة أحد إخوته داخل المركز، الأمر الذي انعكس على حالته النفسية وأخرجه من عزلته التي كان يعيشها، ومنذ تلك الزيارة وهو يعيش متعلقا بذلك الأمل. هجر ونكران على أحد الأسرة يتمدد الشاب (ع. أ) يعاني من تخلف جسدي وعقلي، لا يستجيب لأي مؤثرات خارجية وتتم تغذيته أحيانا عن طريق أنبوب، وكأنه جسد بلا روح حين تنظر إليه، يجد الرعاية والاهتمام من القائمين على المركز، فهناك من يهتم بأكله وشرابه، ومن يتابعه ويجلس إلى جانبه باستمرار، وآخر يطمئن على حالته الصحية، فيقيس حرارته تارة، ويتأكد من سلامة نبضات قلبه تارة أخرى، وكل ذلك وأسرته لا تعلم عنه شيئا، ولأكثر من ثلاثة أعوام لم يزره أحد أو يفكر فيه.