أحد أسرار الاستمتاع بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى هي التأني في التأمل في أبعادها المختلفة... في زيارتك المقبلة للبقالة أو «السوبر ماركت»، لاحظ الخيارات العديدة التي تشهدها أمامك وستجد ما يستحق وقفة جادة وتأملا عميقا وبالذات في السلع ذات السعر المنخفض... ولكن بين كل تلك النعم تأمل قليلا في البرتقال ولاحظ حجم البرتقالة وسهولة حملها وكأنها صممت حول حجم يدك ... وبعدها أنظر في تغليف هذه الفاكهة الرائعة، وفي روائع غلافها الخارجي الجميل شكلا، ولونا، وملمسا، ورائحة... يحفظ هذا القشر العجيب الفاكهة في الداخل لحماية حلاوتها وفائدتها بشكل إبداعي، وهو يحتوي على العديد من الفوائد، ويستخدم في تصنيع أرقى العطور، والمربّات، والحلوى... وأما الزيوت المستخرجه منه فهي جميلة وغنية بنكهتها وخصائصها الكيميائية... وتأمل أيضا في المنتجات التي تستخدم هذا القشر: مربى «المرملاد» الإنجليزية الراقية مصنوعة منه، وشاي «إيرل جراي» البريطاني العريق، وعطور «النيرولي» الفرنسية، يستخدمونه كأحد المكونات الرئيسية... ولو نظرت في تاريخ العطورات ستجد فوائد قشر ولب البرتقال في أغرب الاستخدامات ومنها مثلا تلميع الأسنان... وفي بعض الأحيان نجد أن قيمة البرتقال الأساسية لبعض الصناعات التجميلية والعطورات هي في القشر وليست في الجزء الذي نأكله... ولكن العجيب هنا أن القشر مليئ بالمسام التي يبلغ حجمها حوالى ثلث المليمتر المربع... أقل من حجم هذه النقاط... وسبحان الله أن كل منها مزودة بغدة تفرز زيوتا غنية بالمواد العضوية وأهمها مادة «الليمونين» على وزن «ليموزين»... والطريف أن تركيبة هذه المادة ممكن أن تكون «يمنى» أو «يسرى» وهما صورتان طبق الأصل من نفس المادة ولكنهما معكوستان... وكمقارنة بذلك فضلا أنظر يدك اليمنى ويدك اليسرى فهما من أفضل الأمثلة على الصورتين المعكوستين مع اختلاف اليمين عن اليسار ... والليمونين «اليمنى» تصدر رائحة البرتقال، و «اليسرى» تصدر رائحة الليمون وسبحان الخالق العظيم... وكل هذا قبل أن نتحدث عن روائع الطعم الذي يدمج بين الحلو والحامض في توليفة فريدة وكأنها لمحة فلسفية تذكرنا بتزامن الحلو والحامض في الحياة... وأما الفصوص بداخل البرتقالة فهي ذات مقاس مريح للأكل وكأنها صممت لمقاس أفواهنا... والى الآن لم تذكر فوائد البرتقال من الفيتامين (ج) والكالسيوم، ولم تذكر فوائده للبشرية للارتقاء بالصحة وربما ينعكس ذلك في كمية البرتقال الذي يستهلكها العالم سنويا والتي تفوق السبعة ملايين طن سنويا... يعنى حوالى خمسة وثلاثين بليون برتقالة. والدولة الأولى في زراعته هي البرازيل... ولكن هناك المزيد... فالمأكولات التي ننعم بالاستمتاع بنعمها كل يوم تحتوى على تاريخ جدير بالذكر... كل منها تحكي قصصا مهمة... وأحد التحديات التي تواجه الأجيال الجديدة، وخصوصا في وطننا أنهم لم يشهدوا الفترات الصعبة ضمن مسيرة التنمية الوطنية... وقد تضمنت فترات صعبة في تأمين المواد الغذائية التي ننعم بها اليوم بيسر، فأصبحنا لا نفكر في الأمن الغذائي وفي نعم الله الرائعة كما يجب... كانت جميع الفواكه تمثل ترفا غذائيا في تاريخنا الحديث، وكان البرتقال لا يتوفر إلا في المواسم... ولم يؤكل إلا من الذين يسر الله أمورهم المادية.... والطريف أن ذلك لم يقتصر على وطننا فحسب، فحتى في الدول الصناعية كانت الحمضيات للأغنياء فقط لأنها كانت فريدة وغالية الثمن إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية... وكان البرتقال ضمن «فاكهة الأعياد» فقط فاقترن استخدامه بعيد «الكريسماس» بنهاية كل عام ميلادي في الغرب... وأما في الديانة اليهودية فهناك فاكهة «الإطروج» وكأنها برتقالة كبيرة... وتستهلك في عيد «السكوت» Sukkot الذي يحتفل بنعم الله ومنها الفاكهة، ويقع بعد خمسة أيام من أهم الأعياد اليهودية وهو «يوم كبور» الذي يقع في نهاية العام العبري أيضا ويصادف نهاية سبتمبر إلى نهاية أكتوبر. أمنية وهناك ما هو أهم من كل هذا فالبرتقال هو أحد الفواكه الفلسطينية المميزة، وقد تم تدمير آلاف المزارع الفلسطينية وملايين أشجار البرتقال ضمن الإساءة إلى البشر والأرض التي تمارسها إسرائيل... أتمنى أن نتذكر مزارع فلسطين عندما نستمتع باستهلاك البرتقال... بل وأتمنى أن نتذكرها كلما تذكرنا نعم الله علينا اليوم وكل يوم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة