قبل أيام جمعني لقاء مع صديق عزيز، ودار الحديث بيننا حول عروس البحر الأحمر وشجونها، وما تعيشه الآن من مرحلة عمل في إنجاز العديد من المشاريع ومنها الجسور وإصلاحات الصرف الصحي، وهي مرحلة انتقالية نتمنى أن تشكل نقلة نوعية لهذه المدينة الحالمة، وتنهي معاناة أهاليها مع ضيق الشوارع والازدحام المروري وعدم وجود المواقف وغير ذلك من الأمور التي أصبحت تشكل هاجسا في حياتنا اليومية. ومع الحوار الشيق عن هموم جدة، تجاذبنا أطراف الحديث عن ما فعلته السيول في مدينتنا العروس، كقصص ومشاهد وآثار ودمار راودتنا بطريقة الفلاش باك، فقد تركت هذه السيول بصمة قوية في ذاكرتنا لا يمكن للزمن أن يمحوها، لأن هذه السيول قلبت الموازين وغيرت الكثير من الأمور والمفاهيم، وشكلت قصة مأساوية وكارثة كبيرة سجلت في تاريخ بلادنا. وكان للمطر نصيب الأسد من كلامنا، وحاول صديقي أن يتهرب من الحديث عن المطر، حتى لا يهطل وتغرق جدة من جديد، وتتكرر الماسأة، مبررا ذلك بوجود مخاوف عند أهالي جدة من هطول الأمطار القوية التي سرعان ما تحول العروس إلى بحر، فقلت له: إن الخالق رؤوف بعباده، والمطر نعمة كبيرة من الله، فلا تعتقد أن هذه النعمة تجعلك تعيش تعيسا وتتسبب في حرمانك من الحياة الكريمة، تذكر أولئك البشر الذين ينتظرون هذه النعمة بفارغ الصبر حتى تتجنب أراضيهم الجفاف والكساد ويرتوي الزرع وتنضج المحاصيل. نعم الكل أصبح متخوفا من الأمطار، ولكن يجب أن ندعو الله في أن لا يحرمنا من نعمة الأمطار وليس العكس، مع توجيه النداء الإنساني لأمانة جدة في سرعة إنهاء المشاريع المرتبطة بتصريف مياه الأمطار، ومن الناحية البيئية فإنه يمكن الاستفادة من مياه الأمطار في العديد من المشاريع كري الزرع والأعمال الصناعية، خصوصا أن هذه المياه نقية وتحتوي على نسب ضئيلة من الشوائب التي يمكن معالجتها. * مدير إدارة حماية البيئة الأسبق في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ( [email protected])