خلف الحربي - عكاظ السعودية الفارق الأساسي بين أمطار جدةوالرياض أنك في الأولى تغرق في البحر وفي الثانية تغرق في حمام سباحة، أما في أمطار الجنوب فالغرق يكون في بركة زراعية، وفي الصحاري تكون مشكلتك الأساسية الضياع وليس الغرق! لم تصمد الرياض أمام الأمطار أمس .. المخارج امتلأت عن آخرها بالسيارات .. وتكاثرت المستنقعات بسرعة البرق، تدفقت المياه في كل الشوارع بحثا عن فتحات التصريف ولكن .. كما يحدث دائما .. كمية هائلة من الماء أمام فتحة صغيرة وحيدة ويمر الوقت: قطرة، قطرة، جدة تغرق بسرعة والرياض تغرق ببطء والجنوب يغرق بالطريقتين معا!. نحن بحاجة ماسة إلى الماء، هكذا نقول بمناسبة ودون مناسبة، نستسقي، ننتظر المطر بشوق قديم متغلغل في الجينات، وحين يهطل المطر نترك المياه تعربد في الشوارع فتهدد حياتنا، خلال كارثة سيول جدة أصبحنا أكثر شعب مثقف في مسألة الصرف الصحي في العالم .. ولكننا لا نملك شبكة للصرف الصحي!، قام مئات الأشخاص برسم مجاري السيول وفروع الأودية من خلال الاستعانة بخدمات الشيخ (جوجل بن إيرث)، وتناقلت مجموعات الإنترنت صورا (تحتية) لمدن اليابان والولايات المتحدة وأوروبا وكيفية تصريف المياه في كل أنابيب العالم، حتى مصلحة الأرصاد التي لم يكن يتذكرها أحد أصبحت أهم إدارة حكومية وأضحى ناطقها الرسمي أهم من الناطق باسم البيت الأبيض، استعرض البعض تاريخ المقاولين منذ عشرات السنين حتى يومنا هذا، ووضع خبراء البيئة دراسات قد يؤدي تراكمها في الأدراج المغلقة إلى كارثة بيئية!. رغم كل هذا الكلام الطويل العريض لم يتغير شيء حقيقي؟!، الطرق الكبيرة الحديثة تتحول في لمح البصر إلى برك عملاقة، والشوارع الداخلية لأنها بلا أرصفة تتبادل ترتيب المستنقعات فيما بينها، والأحياء الهامشية لأنها هامشية تفيض على كل الهوامش المجاورة، وما إن ينتهي المطر حتى نتجاهل خسائرنا الفادحة ونعيد الحديث عن خطط ودراسات وشركات أجنبية وخبراء من كوكب بلوتو لإنهاء مشاكل تصريف مياه الأمطار بصورة قطعية لا يقطعها قاطع، وتأتي السنة القادمة .. ويهطل المطر (وين؟ اصبروا علينا .. ما أمدانا نقول سوف .. إلا وجانا المطر من جديد!) تقول امرأة من جدة إنها تعاني من (فوبيا النشرة الجوية)، حيث إنها منذ كارثة سيول جدة تجد نفسها مجبرة على مشاهدة النشرة الجوية في القناة الأولى، وكلما سمعت عبارة (احتمال هطول أمطار) شعرت بالرعب وفارق النوم عينيها حتى الصباح. المدن تكبر والمطر يهطل والناس يكثرون، ونحن بلد كبير، واحد من أهم عشرين بلدا في العالم، لدينا ورشة عمل عملاقة نطمح أن تغير واقعنا الاقتصادي وتضعنا في مصاف الأمم المتقدمة، فهل سنستمر طويلا هكذا؟ : نوقف العمل ونطفئ الكهرباء ونغلق الإنترنت ونستدعي الدوريات والهلال الأحمر والدفاع المدني كلما هطل المطر!.