الحكاية الأولى كانت لرجل في بداية الأربعين من عمره، جلس وقد بدت على وجهه ملامح التعب والإعياء، سألته مم يشتكي؟ فقال: لا أدري من أين أبدأ ولكني أشتكي من عدم قدرتي على التحدث أمام الناس، أنا الذي كنت صاحب لسان ذرب لا أجد غضاضة في التحدث أمام أي أحد أو أي عدد من الناس، صرت أجد مشقة كبرى في مخاطبة الناس، وكلما كثر عددهم زادت صعوبة التحدث أمامهم، لذا صرت أتهرب من المناسبات الاجتماعية خشية لقاء الناس، فزاد همي وحزني على نفسي فماذا أصنع؟ قلت: ما طبيعة عملك؟ فقال وما علاقة عملي بمشكلتي؟ قلت سيظهر لي إن كانت هناك علاقة أم لا إذا عرفت طبيعة عملك؟ قال: أنا أعمل في مجال مقاولات البناء، قلت: وكيف يمضي يومك؟ قال: أستيقظ باكرا فأوصل أبنائي إلى مدارسهم ثم أذهب لعملي لأبقى به حتى الثانية، ثم أعود لمنزلي لتناول الغداء ثم أرتاح قليلا، وأعود بعدها لعملي، قلت:ومتى ينتهي نهارك وتعود لدارك؟ قال: ما بين العاشرة و الحادية عشرة، قلت: أنت تعمل ما بين عشر واثنتي عشرة ساعة كل يوم؟ قال: نعم، قلت: وكم يوم عمل في الأسبوع؟ قال: ستة أيام، قلت: وماذا تفعل خلال ساعات العمل الطويلة هذه؟ قال: أتابع كل صغيرة وكبيرة، هذا موجز الحكاية الأولى، أما الحكاية الثانية فكانت لشاب في أوائل الثلاثينيات، ترك وظيفته الحكومية كما يقول، بعد أن درس مشروع مؤسسة ليموزين لثلاث سنوات، بحثها من جميع جوانبها، ثم أنشأها منذ أربع سنوات ليصبح لديه أسطول من السيارات يزيد عن 350 سيارة، وأكثر من 200 سائق، وعشرات الموظفين، وقد جمع كل هؤلاء في مجمع واحد يضم كل السيارات وسكن السائقين والورشة والمكاتب، وهو من يتابع كل صغيرة وكبيرة، من مشاكل السائقين، إلى مشكلات السيارات وقطع غيارها وإصلاحها، وهو من يراجع معظم الدوائر ذات الصلة بمؤسسته، لدرجة أنه يوقع على كل ورقة تخص كل أمر من الأمور، وحين سألته عن شكواه: قال: أكبر همي حين يطلب مني إمامة الناس في صلاتي المغرب والعشاء، عندها يختفي صوتي، وأشعر بجفاف في حلقي وخفقان في قلبي، لدرجة أني صرت أتهرب من التواجد بين الناس في المناسبات الاجتماعية، فأنا أعتقد أن جميع الناس ينظرون إلي إن أنا مررت أمامهم في صالة أو قاعة، والواضح أن الحكايتين بينهما قاسم مشترك واحد هو إدمان العمل، الذي يولد ضغوطا متنوعة، وما يعاني منه هذان الرجلان يمثل جرس إنذار لكل منهما ويعني أمرا واحدا أن كلا منهما قد اخترقت الضغوط دفاعاته، وأنهما بحاجة لإعادة النظر في أسلوب عملهما، وفي مثل هذه الحالات ما لم ينتبه الفرد منا ويأخذ بعين الاعتبار أجراس الإنذار هذه، فإن مزيدا من الاختراقات للضغوط سوف تحدث سواء على مستوى الجسد أو العقل أو الانفعالات، ناهيكم عن أن هؤلاء يدفعون بأبنائهم وزوجاتهم بعيدا عنهم ويحولون أنفسهم إلى آلات للصرافة مهمة الواحد منهم تأمين المال لأسرته، في الوقت الذي يغرق أحدهم في عمله، وحين يجد أنه قد أضاع وقتا طويلا في العمل، وأن الضغوط زادت إلى الحد الذي لم يعد قادرا على احتمالها يهرول تجاه زوجته ليجدها قد صنعت عالما لها ليس له فيه مساحة كبيرة، وإن عاتبها لابتعادها عنه فقد ترد عليه: ألم أطالبك بالتواجد في ساحة حياتي وكنت ترد بالاعتذار تارة وبالصياح في وجهي تارة أخرى، يؤسفني فقد جئت في الوقت بدل الضائع ولست مستعدة لتغيير نظام حياتي من أجلك، ولنا أن نتخيل حاله عندها، هذا إن كان العالم الذي صنعته زوجته يضم صديقاتها أو بعضا من قريباتها، والمؤسف أنه قد يضم في بعض الحالات رجالا آخرين سواه، تحاول عبثا أن تملأ فراغها العاطفي الذي صنعه زوجها ببعده عنها، عندها ستكون مصيبته مضاعفة. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]