المثالية ليست سلعة تباع وتشترى في أسواق التملق والنفاق كما يتوقع كثير ممن يحسن الادعاء والتصنع والتخفي وراء أقنعة صنعت بعناية لخديعة البسطاء ممن لا يحسنون سبر أغوار النفوس ويفتقدون موهبة الفراسة لمعرفة وقراءة ما بين السطور. نعم هناك وللأسف الشديد نماذج من على هذه الشاكلة تمكنت في حين غفلة من البصائر النافذة أن تروج لنفسها وتصنع حولها هالة من الضوء تحت غطاء المثالية، وبرعت إلى حد ما في تسويق الصورة المضيئة المشرقة المصطنعة ونجحت في إخفاء الصورة الحقيقية الممتلئة بكل ما هو ضد وعكس ذلك من الصفات والمثل والقيم الإنسانية النبيلة. وليت ذلك الفعل الذي سينكشف ذات يوم لا محالة، يهدف في النهاية إلى نتيجة نبيلة، فيما لو طبقنا قاعدة الهدف يبرر الوسيلة، ولكن الخديعة مزدوجة، سواء في الوسيلة أو الهدف. فبعض من يدعي المثالية وسوق نفسه متكئا عليها إنما يريد أن يصل من خلالها إلى تحقيق مكاسبه، وخدمة مصالحه فحسب، حتى ولو كانت على حساب أقرب الناس إليه. كم منا صدم في عزيز أو صديق أو قريب، كان يمثل بالنسبة له ذات يوم هرما إنسانيا راقيا يملك من الصفات الحميدة والنبل الشيء الكثير، وعندما ارتطمت مصالحه مع مصالح غيره تساقطت الأقنعة واحدا تلو آخر، وتبدل الحال، وتحول كل جميل فيه إلى قبيح، وكل قيمة راقية فيه استحالت إلى سلوك دنيء لا تستسيغه النفس البشرية المجبولة على الفطرة السليمة. هذه ليست دعوة للتجسس على نفسيات البشر ومشاعرهم وقلوبهم، وإصدار الأحكام الغيبية وتنفيذ العقوبات بحقها اعتباطا، بقدر ما هي همسة في أذن كل طيب نقي أبيض القلب والسر والسريرة، أحذره فيها من التمادي في منح الثقة لكل من أدعى المثالية قولا دون أن نقف على حقيقتها وصدقها في الفعل والعمل.