بدا المشهد حافلا بالتناقض بين جماهير تحتفي بالكرة وتتابع أدق تفاصيلها، ومعرض للكتاب يئن من جمهور يعبر أجنحته سريعا دون ملامح تأثر أو اهتمام. هذه الصورة التي تتسع قسوة مع كل معرض للكتاب يشهده العالم العربي، ترمي بثقلها حاليا على معرض القاهرة الدولي للكتاب. يصعب كبح حماس الناس وميولها نحو تأييدها لمسألة ما أو رفضها لها، ومن الصعوبة بل تعد انتحارا أن توجه لها انتقادا في ذروة هيجانها، إذ لا شيء يعلو على «صوت الكرة»، لا سيما وهي تخترق شباك الخصم. يقول بعض المتفائلين إن «الكتاب لا يتمتع بسلطة، إنما بإمكانه مدى الجسور بين أجزاء العالم المتنوع والمتفكك». صحيح، لأن من يملك السلطة هنا هو «الكرة»، حيث تدخل شعبا كاملا في حزن وغم، وتدخله هو نفسه في فرح عارم وهستيري. وبإمكان هذه المستديرة أيضا ألا تطيح بمعرض للكتاب وحسب، بل بزعماء ومسؤولين ودول. معرض القاهرة بدا مسكينا أمام شعبية الكرة من جهة، وجمهورية الإنترنت من جهة أخرى، حيث بدأت أصوات بعض الناشرين ترتفع من ضعف الإقبال على شراء الكتب، التي تعكس بدورها ضعف القراءة في المجتمع. ورثنا نصائح لا تعد ولا تحصى عن أهمية العلم والقراءة، وكتبت قصائد في ذلك، كما أن ديننا الحنيف حث على طلب العلم والقراءة حتى ولو في الصين. لكن كل هذا لم يشفع للكتاب، وباتت مساحات التنافر تتسع، بعد أن أصبحنا نعلق شماعة أميتنا الجديدة على الثورة التقنية التي يراهن الكثير منا على انتصارها المحقق على الورق عامة، والكتاب خاصة. الكتاب والكرة ما يجمعهما حرف الكاف، إنما ما يفرقهما فضاءات من الثقافة الواعية، واللغة الحضارية.