على وقع قنوات الرياضة والأغاني والأفلام والمسلسلات، ومع ميلان الشمس إلى الغروب وإرخاء الليل ستاره، يقضي الشباب ساعات طويلة في المقاهي والاسترحات والمزارع في الهواء الطلق، إما لمتابعة مباريات كرة القدم أو لقضاء أوقات الفراغ بتدخين النرجيلة أو الشيشة وتبادل النكات والضحكات ولعب البلوت وأمور أخرى، ورغم استياء الأهالي والأمهات والزوجات من تصرفات الشباب وغيابهم عن منازلهم في الفترة الممتدة من بعد المغرب إلى آخر الليل، لكن الشباب رموا التهم الموجهة خلف ظهورهم دون اكتراث بها. «عكاظ» دخلت عوالم الشباب وعاشت معهم، واستطلعت آراءهم حول أسباب قضائهم أوقاتا طويلة في هذه الأماكن دون الاستفادة من أوقاتهم بالنافع المفيد، وخرجت بمحصلة نوردها في سياق هذا التحقيق: مناشط شبابية بداية، أرجع بندر الشريف سبب قضائه مع أصدقائه أوقاتا طويلة في المقاهي والاستراحات إلى عدم وجود مناشط شبابية أو أماكن مخصصة لقضاء هواياتهم، ما يضطرهم يوميا إلى التوجه إلى المقاهي والبقاء حتى آخر الليل، ممضين الوقت بين الحديث وتناول العشاء ومشاهدة القنوات الفضائية، مشيرا إلى أنهم يبحثون في هذه الأماكن عن ترويح لأنفسهم من ضغوط العمل ومتاعب الحياة. أوقات الفراغ وحمل الشاب بلال فروخ الأسر أسباب هروب الأبناء وهجرتهم الليلية إلى المقاهي والاستراحات بغرض قضاء أوقات الفراغ، لافتا إلى أن المشاكل الكثيرة داخل المنازل وعدم وجود أجواء إيجابية تدفع الشباب للبحث عن ملجأ أو مكان لقضاء أوقات جميلة بعيدا عن منغصات الحياة؛ لذلك فالغالبية العظمى منهم هدفه الهروب، مطالبا الأسر بضرورة تحمل مسؤوليتها ومراقبة أبنائها، لأن هذه المقاهي تكون في أحيان كثيرة طريقا لانحراف الأبناء وضياعهم بعيدا عن عين الرقيب وبوجود رفقة السوء التي تسهم في سلوك الشاب مسلكا غير صحيح يؤدي إلى الضياع والخسران. مكان ترويحي واختلف الشاب محمد السالمي مع رأي بلال حول أسباب لجوء الشباب إلى الاسترحات، موضحا أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى قلة المناشط المقدمة للشباب في الأندية الرياضية والأدبية وفي مراكز الأحياء، مقللا من السبب الأسري. وأكد على أن المقهى أو الاستراحة يعدان المكان الترويحي المتاح للشباب في ظل منعهم من الدخول إلى الأسواق ومدن الملاهي والمطاعم الكبرى، وعدم وجود دور للعروض السينمائية أو المسرحية أو أنشطة ترويحية وترفيهية تشغل أوقات الشباب بالنافع المفيد وتنمي مداركهم وتوسع ثقافتهم، فلا يجدون سوى هذا الملجأ الوحيد المتمثل في هذه الأماكن التي تعج بأقرانهم من الشباب اليافعين، الذين قد يقعون فريسة سهلة في يد من يحاول التغرير بهم وقيادتهم إلى الإدمان والضياع بدءا بالسيجارة والشيشة وانتهاء بالمخدرات والمسكرات وربما ما هو أكبر. ودعا السالمي إلى أهمية إيجاد مناشط شبابية لتنمية أوقاتهم، وذلك بالتعاون بين مراكز الأحياء وإدارات التربية والتعليم والأندية الرياضية والشؤون الاجتماعية وإمارات المناطق، بدلا من إغلاق كل المنافذ في وجوههم لتبقى المقاهي والاسترحات الملاذ الوحيد لهم. مباريات مشفرة ولكن محمد آل منصور رأى أن سبب لجوء كثير من الشباب إلى المقاهي هو المسابقات الكروية المشفرة والتي تجعل الشباب يتسابقون إلى المقاهي في أوقات بث هذه المباريات لحجز الجلسات الشاغرة، مبينا أنه مع مجموعة من أصدقائه يعمدون إلى الذهاب إلى إحدى المقاهي التي اعتادوا الجلوس فيها لمشاهدة مباريات الدوري السعودي إضافة للمسابقات العربية والأوروبية والعالمية، التي تغطي معظم أيام الأسبوع تقريبا، مما يجعل هذه المقاهي مليئة طيلة أيام الأسبوع. محاصرة المقاهي وأبدى نايف سعد القرشي استياءه من بعض قرارات البلدية بمحاصرة المقاهي ومحاولة إقفالها وإخراجها بعيدا عن حدود المدن، مبينا أن المقاهى هي تطور طبيعى بديل للجلوس على الطرقات، وهي مكان اجتماعي لالتقاء الأصدقاء وتبادل الأخبار والآراء والثقافه بين الناس، موضحا أن المقاهي في مصر مثلا تعتبر رمزا مكانيا للشعب المصري، فيرتاده الجميع بدون تحفظ حتى كبار الأدباء والمثقفين والكل يتذكر جلوس نجيب محفوظ فى مقهى الفيشاوى. واقترح نايف وضع ضوابط لهذه الاستراحات بدلا من إقفالها وإبعادها خارج نطاق المدن بشكل كبير، مثلا وضع سن معين لمرتاديها والتنبه لما يدور فيها، مفيدا أن بعض الاسترحات تفتح شفرات قنوات جنسية مخالفة وهي أمور خطرة على المراهقين والشباب. وشدد على ضرورة عمل جولات رقابية عليها بغرض منع صغار السن من استعمال الشيشة ووضع غرامات وعقوبات لمنتهكي هذه الضوابط. تحذير المنظمة وأصدرت منظمة الصحة العالمية دراسة حذرت فيها من أضرار تدخين الشيشة، موضحة أن كمية النيكوتين التي تنجم عن تدخين الشيشة في جلسة واحدة تعادل تدخين أكثر من علبة سجائر كاملة. ويدخن الكثيرون الشيشة ظنا منهم أن مرور الدخان عبر الماء ينقي النيكوتين من بعض السموم التي يحتويها. وأوضح حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أن الأمر ليس كذلك، وقال في مؤتمر سابق: «هناك اعتقاد خاطئ سائد منذ عشرات السنين بأن الشيشة أقل ضررا وإدمانا من السجائر». وأضاف أن «تدخين الشيشة به كل مسببات السرطان الناجمة عن تدخين السجائر ويزيد على ذلك إضافة مزيد من أحادي أكسيد الكربون ومجموعة منفصلة من مسببات السرطان الناجمة عن استخدام فحم محترق للمحافظة على تدفق النيكوتين مقترنا باحتمال الإصابة بمرض السل أو الالتهاب الكبدي الوبائي نتيجة تعاقب الأفواه على فوهة خرطوم الشيشة». وقالت الدراسة: «المدخن المنتظم للشيشة يدخن في جلستين إلى ثلاث جلسات يوميا، وهذا يعني كمية من النيكوتين تعادل أكثر مما تحتويه علبة سجائر في كل جلسة بالنسبة لمعظم مدخني الشيشة). وأضافت الدراسة أن العثمانيين أدخلوا الشيشة إلى المنطقة في القرن السابع عشر، ومع أن إنتاج السجائر أبعد الشيشة عن الساحة إلى المناطق النائية بشكل أساسي إلا أنها عادت للظهور بقوة في العقود الأخيرة.