يبحث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الرياض اليوم، سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ومناقشة المستجدات على الساحة العربية. ويتداول أردوغان، الذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام الأسبوع الماضي، مع الملك عبدالله تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط والمصالحة الفلسطينية والوضع الإقليمي والعالمي، كما سيطلع خادم الحرمين أيضا على جهود أنقرة على صعيد تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ومساعيها لتخفيف حدة التوتر في المنطقة. وأكد وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في حوار مع «عكاظ» على الأهمية التي تكتسبها زيارة أردوغان إلى المملكة، من حيث التوقيت والمعطيات السياسية الإقليمية والدولية، مبينا استراتيجية العلاقات السعودية التركية، من حيث الروابط التاريخية والمصالح المشتركة وحرص البلدين، المشاركة في إحلال السلام والأمن ليس فقط في المنطقة، وإنما في العالم. وحول دور الرياض وتركيا الداعم للقضايا العربية والإسلامية أوضح الوزير التركي أن الرياضوأنقرة تسعيان لإيجاد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي بغية الوصول إلى وحدة وطنية. مؤكدا في الوقت ذاته على حرص بلاده لإرساء السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، والسبل الكفيلة لإنعاش عملية السلام المجمدة. وشدد على أهمية وضرورة تفعيل الحوار بين الرياضوأنقرة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية. وأبدى وزير الخارجية دعم أنقرة الكامل لجميع الإجراءات التي اتخذتها المملكة لردع المتسللين والحفاظ على أمن وسياده الأراضي السعودية، لافتا إلى أن المملكة دولة سلام ولا تسعى للحرب. وأوضح أن بلاده تريد أن تقوم بدور إيجابي أكبر في الشرق الأوسط إلى جانب فتح علاقاتها مع الغرب. وأفاد داوود أوغلو، والذي يعتبر من أهم راسمي السياسة الخارجية التركية «إن تركيا لديها رؤية سياسية خارجية قوية وإيجابية نحو الشرق الأوسط، لكنه أوضح أن بلاده لاتسعى للهيمنة، وإنما ترغب في إيجاد شرق أوسط آمن ومستقر، وهذا يأتي في إطار السعي التركي لإيجاد حلول للأزمات قبل تفاقمها. وأضاف أوغلو، الذي لعب دورا نشطا في جهود الوساطة التركية بين سورية وإسرائيل العام الماضي، أن تركيا لعبت دور الوساطة لمرات عدة في المنطقة، ومن ضمنها الوساطة بين إسرائيل وسورية، لافتا إلى أنها لا تمانع بأي دور يسهم في تسوية الخلافات في المنطقة والعالم. وحث إسرائيل على التعاطي إيجابيا مع الجهود الرامية لتحقيق السلام في المنطقة، مؤكدا أن انتهاج الحكومة الإسرائيلية نهجا إيجابيا في المنطقة سيكون لمصلحة إسرائيل نفسها. وأكد على أهمية دور تركيا في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، قائلا «التقيت خلال زيارتي أخيرا إلى جدة، مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي، وجرى خلال اللقاء مناقشة مستقبل العلاقات بين المنظمة وأنقرة، فضلا عن الإطلاع على نشاطات المنظمة، لاسيما في مجال الدبلوماسية الوقائية وحقوق الإنسان. وقال إن زيارته للأمانة العامة تعتبر الأولى بصفته وزيرا للخارجية، مشيدا بالجهود التي تبذلها الأمانة العامة على مختلف الأصعدة ضمن نطاق الرؤية الجديدة للمنظمة، موضحا أن الحكومة التركية تعلق آمالا كبرى على المنظمة وتتابع نشاطاتها عن كثب. وتابع قائلا «بحثت مع الأمين العام كيفية التحرك المستقبلي، ووضع الاستراتيجيات الكفيلة لتمكين المنظمة من تعزيز الاستقرار في الدول الأعضاء، بالإضافة إلى دورها في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في المنطقة الإسلامية، والعلاقات بين منظمة المؤتمر والاتحاد الأوروبي من جهة، والمنظمة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من جهة أخرى. وحول دعم أنقرة للمؤتمر الدولي المقبل للجهات المانحة لدارفور تحت الرئاسة المشتركة لكل من تركيا ومصر، والمقرر عقده في مارس، أفاد أن أنقرة ترمي بثقلها بالكامل لإنجاح المؤتمر، وذلك بغية تحقيق الاستقرار في دارفور. وقال إن الأمين العام للمنظمة أبلغه، أنه جرى رصد 50 مليون دولار لدعم جهود التنمية والإعمار في دارفور، مشيرا إلى أن هذه الجهود ستنعكس إيجابيا، في حل الخلافات بين الأطراف المتنازعة في السودان. وفي ما يتعلق بمشروع إنشاء خط سكة الحديد بين بورسودان وداكار، قال إن هذا المشروع، الذي بلغ طوله 10 آلاف كيلو متر، يحظى بدعم تركي، وهو في طور الاستعدادات الأولية له، مبينا أنه خط يمر عبر سبع دول أفريقية، وعقدت له اجتماعات مهمة لتنفيذ خطة العمل للمشروع، ومنها وضع الفترة الزمنية للانتهاء من المشروع ودعوة الشركات لتقديم تصوراتها له. وأشار أن العالم الإسلامي يملك مؤهلات إيجابية في جلب السلام والاستقرار، موضحا أن موقع تركيا الجيوستراتيجي يجعلها ملتقى تقاطعات سياسية، واستراتيجية مختلفة. وحول استراتيجية السياسة الخارجية في العام الجديد، أوضح أن الدبلوماسية التركية ستشهد مزيدا من النشاط على مختلف الأصعدة العربية والأوروبية والآسيوية والقوقازية. وحدد أوغلو عدة أسس للسياسة الخارجية التركية التي من ضمنها العمل على مواجهة الأخطار الأمنية، واعتماد سياسة خارجية متعددة الأبعاد مرتبطة بموقع تركيا على تقاطع طرق القوى والمناطق الحيوية في العالم سواء في آسيا، أوروبا، أوراسيا، أو الأطلسي، بالإضافة إلى تطوير أسلوب دبلوماسي جديد في السياسة الخارجية، باعتبارها جسرا بين جهات وقارات. وقال إن الدبلوماسية التركية تعمل في هدوء ومرونة، كما أنها توائم حركتها تبعا لتطورات الأحداث في المنطقة، موضحا أن لكل منطقة أو قارة سياستها وخطابها وطريقة للأداء والأسلوب. موضحا أن هدف الدبلوماسية التركية أن تكون أنقرة مساهمة وعنصرا فعالا إيجابيا، لاعبئا في التفاعل الإقليمي والعربي الدولي، إلى جانب استمرار التواصل الدبلوماسي مع الجميع، وانتقالها والتقائها بشكل منتظم، مع أكبر عدد من كبار صناع القرار والمسؤولين على مختلف المستويات في الدول، وفي كل القارات بهدف تنشيط الحوار وفتح القنوات وإيجاد قواسم مشتركة بين الجميع. وأضاف أن تركيا تسعى في طور سياستها الخارجية الجديدة تجاه دول الشرق الأوسط؛ إلى اتخاذ زاوية إيجابية ورؤية متنوعة تمكنها من تحسس نبض العالم العربي، والتقاط النقاط الإيجابية وجعلها مرحلة أولية لدبلوماسيتها. ويشير المراقبون إلى أن تركيا تراعي في سياستها الخارجية الجديدة عدم استغلال العلاقات بين التوازنات الدولية، والوضع الإقليمي، في شكل يؤدي إلى استقطاب متبادل، إلى جانب فتح الحوار مع الدول العربية والحصول على ثقتها. وأوضحوا أنه في مسعى أنقرة الجديد، التركيز على تدعيم وتطوير العلاقات مع الدول العربية كل على حدة، من خلال علاقات متنوعة كما وكيفا مع توسيع ساحة المصالح المشتركة.كما أنها تتطلع لأن تصبح دولة نموذجية في معطياتها الثقافية للعولمة وللأفروآسيوية، وترى أن ما لديها من إمكانات جيوستراتيجية، واقتصادية، وحضارية يمنحها القوة التي تستطيع من خلالها التدفق نحو محيطها. من الجدير بالذكر أن أحمد داوود أوغلو الخبير في شؤون الشرق الأوسط، عين وزيرا لخارجية تركيا عام 2009 في أكبر تغيير وزاري منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002. وقام داوود أوغلو، وهو دبلوماسي يتمتع بالاحترام في الأوساط العالمية، بتوسيع وإثراء مجال السياسة الخارجية لتركيا، وتولى مسؤولية حقيبة الخارجية في وقت تسعى فيه بلاده إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، تحسين الأمن الإقليمي. وتجيء زيارة أردوغان إلى المملكة في إطار جولة خليجية تتضمن الإمارات العربية المتحدة. وأوضحت مصادر دبلوماسية عربية أن الدول العربية تتطلع إلى توسيع دائرة الحوار مع أنقرة والتي تحظى باحترام كبير في المحافل العربية نظرا لسياساتها، ودورها الإيجابي لدعم استقرار المنطقة. وسيلتقي أردوغان الأربعاء المقبل، مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي في مقر الأمانة العامة في جدة. وأفادت مصادر المنظمة ل «عكاظ» أن أردوغان سيناقش مع إحسان أوغلي المستجدات على الساحة الإسلامية وتطورات الأوضاع الفلسطينية وسبل تفعيل العمل الإسلامي المشترك، وسيؤدي أردوغان، الذي يرافقه وفد تركي رفيع المستوى يتضمن عددا من الوزراء، مناسك العمرة.