تجسدت الرغبة في طلب العلم والإرادة والإصرار على النجاح، في صورة جمعت بين شيخ في السبعين بحفيده الثلاثيني في فصل دراسي واحد بين فصول تعليم الكبار المسائية. وكان الأخير تأخر في التعليم بسبب ظروفه الاجتماعية وتحمله مسؤولية العائلة والبحث عن لقمة العيش حتى سن الرابعة عشرة، فيما فات قطار التعليم الجد منذ وقت مبكر، لكنه أبى إلا أن يلحق به ولو من أجل تعلم قراءة القرآن الكريم والكتابة. ويصف طلعت فيروزي مدير إدارة تعليم الكبار في جدة هذه الحالة بأنها من الحالات النادرة والمؤثرة التي مرت على المسؤولين في قطاع تعليم الكبار، ويؤكد في هذا الصدد أن الإنجازات والأهداف النبيلة لتعليم الكبار ومحو الأمية في المناطق النائية لقرى جدة وصلت إلى مناطق جبلية بعيدة ووعرة، ونفذت أخيرا عدة برنامج في مساجد القرى وشهدت إقبالا من كبار في السن والمنقطعين عن الحياة المدنية، كما خصص مركزان لمحو الأمية يتميزان بصبغة إنسانية لتعليم الكبار في دار الملاحظة للأحداث، ومركز آخر في السجون لإتاحة الفرصة لنزلاء هذه المراكز لمواصلة الدراسة. يقول فيروزي إن الوزارة تسعى لمحو الأمية الشاملة بكل مفاهيمها الصحية والاجتماعية والثقافية داخل المجتمع. وحسب الإحصائيات السنوية لا يقل عدد المسجلين في برنامج «مجتمع بلا أمية» الذي بدأ تطبيقه منذ ثلاث سنوات عن 1800 إلى 2000 متقدم للتعليم، ونفس الأعداد متقاربة في برامج أخرى تقدمها الوزارة ومنها، «قطاعات حكومية بلا أمية» وينفذ في الإدارات الحكومية في الفترات الصباحية ويستهدف الموظفين والمستخدمين لمدة ساعتين يوميا، يفرغون من العمل في هذه الفترة. ويضيف «بحكم أن المملكة عضو في المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم في اليونيسكو من المتوقع أن تكون خالية من الأمية في العام 2012، وهناك إضافة جديدة بناء على التوصيات الصادرة من الإدارة العامة لتعليم الكبار استجابت لها الجهات المسؤولة في عدم منح أية تأشيرة لعامل بمهنة سائق إن كان أميا، فالأمية تعد مشكلة بين المواطنين أو المقيمين، ولكن البرنامج مفتوح للسعوديين ولغير السعودي». ومن جهته، يقول مدير مدرسة عبد الله بن عباس الابتدائية والمركز التابع لها لمحو الأمية للكبار فهد الزهراني إن برنامج «مجتمع بلا أمية» يستهدف الفئات التي فاتتها فرص التعليم مبكرا، كالكبار في السن وغير الناطقين بالعربية والذين ليست لهم جنسية سعودية وتأخر تعليمهم، ومن بين هؤلاء أشخاص من جنسيات غير عربية حاصلون على شهادات عليا، انضموا للبرنامج وكان أحدهم طبيبا والثاني مهندسا من الجنسية الإندونيسية والثالث إمام مسجد وحافظ القرآن الكريم وغير ناطق باللغة العربية وهو من الجنسية الباكستانية، وقد استفادوا من البرنامج وتعلموا اللغة العربية. ويوجد في جدة 27 مركزا لمحو الأمية استحدثتها وزارة التربية والتعليم، والدراسة مفتوحة فيها للجميع وليست محددة بسن معينة، وتستغرق مدة الدراسة من أربعة إلى خمسة أشهر وأحيانا تصل إلى سنة، حسب احتياج الطلاب ومدى تعاونهم مع المعلم. ويتعلم الدارسون المواد الأساسية؛ القرآن الكريم والقراءة والكتابة والرياضيات، وتم أخيرا استحداث مادة جديدة هي اللغة الإنجليزية، وفي نهاية البرنامج يحصل الدارس السعودي على ألف ريال إذا اجتاز البرنامج بنجاح، ويتخرج بشهادة تعادل الشهادة الابتدائية وتؤهله للانتقال إلى المرحلة المتوسطة.