وارينا الدكتور طارق الجهني الثرى مساء يوم الجمعة الماضي بين دموع أبيه وذويه وفجيعة محبية ومشيعيه، في حقيقة قررها الخالق سبحانه بقوله: ( إنك ميت وإنهم ميتون ). فكل نفس ذائقة الموت ولكل أجل كتاب. رحم الله الدكتور الجهني الذي ذهب نتيجة خطأ طبي واستهتار بالروح الإنسانية التي خلقها الله ونفخ فيها من روحه، يقول الحق: ( ثم سواه ونفخ فيه من روحه). فهذه الإضافة الربانية توحي برفعة النفس الإنسانية وسموها وتكريمها وتفضيلها على كثير من مخلوقاته، فالإنسان هو مناط التكريم الإلهي. أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورته. من هذا المنطلق لا يجب أن يذهب الدكتور طارق ضحية كما ذهب غيره وطوتهم صفحة الوساطة والوجاهة والنسيان، فالله جعل لجسم الإنسان حرمة فلا يعتدي عليه أحد لا حيا ولا ميتا إلا بشروط خاصة وضحها الشارع الحكيم. خلق الإنسان مكرما معززا، يقول الحق: (ولقد كرمنا بني آدم ). فجنس الآدمي مكرم في ذاته، يروى عن نبي الرحمة أن جنازة مرت به فوقف لها فقال بعض الصحابة إنه يهودي فقال عليه الصلاة والسلام: «أليست نفسا» ، فالنفس أيا كانت هي محل تقدير وإجلال، والإنسان لا يملك نفسه فهي ملك لله. وقد وضع الكثير من الفقهاء وخاصة المالكية مع إذن المريض بعمل الطبيب في جسده وهو إذن الشرع وهو يتحقّق بأن يكون الممارس للعمل الطبي مشهودا له بالمعرفة والحذق لحديث عمرو بن شعيب من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن، ومعرفة علم الطبيب ومدى درايته ترجع إلى أهل الخبرة من الأطباء الأكفاء مع جهات أخرى محايدة يحددها ولي الأمر وليس القرار في يد وزارة الصحة وحدها التي فاجأتنا بالضوابط والمعايير الاسترشادية الجديدة الصادرة للنظر في مخالفات أحكام الأنظمة الصحية والتي حددت الغرامات المالية كعقوبات على المخالفات بمبالغ ضئيلة جدا تتراوح ما بين الثلاثة آلاف ريال وحتى المائة ألف ريال بأقصى حد. وهي غرامات لا ترقى إلى قيمة الإنسان وكرامته، وتعطي لأصحاب النفوس الضعيفة الاستمرار في ممارسة استهتارهم بأرواح الناس وجلب النطيحة والمتردية وما أكل السبع كأطباء بأسعار زهيدة لزيادة مكاسبهم المادية علما أن هناك تحذيرا سابقا صادرا من وزارة الصحة من التهاون في تطبيق معايير تصنيف الأطباء عموما وأطباء الجراحة والتخدير خصوصا وتطبيق معايير الأمن والسلامة للمرضى بحسب المعايير الوطنية والعالمية، وبالتأكيد فإن المستشفيات لم تلتزم بهذه المحاذير لأن من أمن العقوبة أساء الأدب وهذا ما أكده مدير المستشفى (المول) الذي وقعت فيه الحادثة مع سبق الإصرار بأن الطبيبة التي قامت بتخدير الدكتور الجهني لا تحمل رخصة مزاولة المهنة وأنه يعلم تماما بعدم السماح لمن لا يحمل رخصة بمزاولة المهنة لكنه (طنش) المهم المكسب المادي حتى لو على حساب (بني آدم)، مبررا أن كارثة جدة أحد الأسباب التي ساهمت في فقد الدكتور الجهني مع صوت البرق والرعد وظلام الليل .. مبررات سيقت من أجل تمرير ما حدث. إن قرار إغلاق ست غرف عمليات في المستشفى (المول) واستمرار خمس غرف عمليات في الخدمة لا يعني عقوبة مؤلمة قدر ما تذر الرماد في العيون وتأتي من باب تطييب الخاطر. فقرار كهذا لا يكفي ولا يغني عن موت إنسان أي كان موقعه في الحياة هذه وليست المرة الأولى وليست الأخيرة فبعد الجهني كانت الضحية الثانية فتاة عشرينية، كما كشف ل «عكاظ» مدير المستشفى المتسبب في فجيعة الجهني. ولو زار وزير الصحة المستشفى فسيجد كله تمام يا أفندم وقد تم ترتيب الأمور وإصلاح المعوج وإخفاء العيوب وتهريب غير المؤهلين وإبعادهم مؤقتا عن المستشفى وإخفاء الحقائق وطمسها حتى تنتهي الزيارة ويعود الحال لما هو عليه ويستمر مسلسل الأخطاء الطبية في هذا المستشفى وغيره وكأن شيئا لم يكن. فهذه سلسلة أخطاء متواترة ليست وليدة اليوم، وفي كل خطأ نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. يقول المصطفى: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق» ، وينظر عليه السلام إلى الكعبة ويقول «ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه» . ويقول «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» . ومع ذكر جريدة «الشرق الأوسط» (30 ذي الحجة) أنه حكم على أمريكي قتل قطة باثني عشر عاما سجنا جزاء لفعلته، وقفت حائرا أمام قول مدير الشؤون الصحية في جدة الذي توقع وقبل أن يقول القضاء كلمته أن تصل الدية إلى 100 ألف ريال على الطبيبة وغرامة المستشفى لمشاركته في الجريمة 100 ألف ريال، وهي عبارة عن دخل ساعة ولا تؤثّر في رأس مال المستشفى ولا توجع قلب صاحبه خاصة أن القضية تم تحويلها إلى اللجنة الطبية الشرعية التي يرأسها قاضي فئة (أ) للبت في عقوبتهم، وبما أن القاضي معين من قبل ولي الأمر فله الحق كل الحق في أن يقرر العقوبة الزاجرة الرادعة خاصة أنه أمام حالة تكررت مرات ومرات مع اعتراف مدير المستشفى بالإهمال والخطأ والتسيب ما أدى إلى إزهاق روح بريئة فللقاضي كامل الصلاحية في أن يزيد في العقوبة ما يشاء حتى يصل بالدية إلى الملايين من الريالات من باب التعزير، كما رأى المالكية أن كل عقوبة تناسب حال البينة وتخيف المجرمين يجب أن تنفذ. فللقاضي أن يجتهد ويقدر العقوبة حسب المصلحة وبقدر الجريمة التي أزهقت روحا بريئة. كما أن الحنفية يرون أن للحاكم أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك. فلا بد أن يكون العقاب رادعا حتى يحس المستهترون بآدميتنا، وهي فرصة لتصحيح الأخطاء بعد غرق جدة في شبر موية، ومحاسبة كل مقصر وخائن بما يستحق. وتفعيل وثيقة خادم الحرمين الشريفين في محاربة المفسدين في الأرض. فاكس: 6975040 e.mail:[email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة